مدرجات عسير الزراعية .. صناعة الطبيعة عمرها 4 قرون

مدرجات عسير الزراعية .. صناعة الطبيعة عمرها 4 قرون

بقيت المدرجات الزراعية في منطقة عسير جنوب المملكة شاهدة على قصة كفاح إنسان المنطقة منذ عقود مضت، حيث نجح في التكيف مع طبيعتها البيئية وتوظيفها في خدمة متطلباته المعيشية، وجعل من انحداراتها الجبلية سلة غذاء آمنة، يتناول منها قوت يومه ويدخر ما يفيض تحسبا لسنوات عجاف تفرضها قلة الأمطار وشح المياه في بعض المواسم.
وتعود صناعة المدرجات الزراعية جراء التضاريس الجبلية والانحدارات والمرتفعات التي تتشكل منها أجزاء كبيرة بالمنطقة، حيث تقوم بالاحتفاظ بالتربة الزراعية، إضافة إلى احتجاز مياه الأمطار التي تشكل المصدر الأساسي لمياه الري في الزراعة قديما.
يقول الدكتور غيثان بن جريس أستاذ التاريخ في جامعة الملك خالد: إذا أردنا معرفة أحوال الزراعة قديما ومدرجاتها سواء في حاضرة أبها أو في منطقة عسير، فإنه يغلب عليها الحالة البدائية البسيطة من حيث الأساليب المستخدمة في طريقة الزراعة والري، والمعدات والأدوات التي يحتاج إليها المزارع أثناء بذره الزروع وحصدها، وكذلك في معالجة المزروعات وحمايتها من الأمراض والآفات المختلفة.
ونقل عن محمد أحمد أنور معلومات عن الزراعة في عسير، وما يتعلق بوسائلها وطبيعتها في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود بوصفه معاصرا لتلك الحقبة في كتابه (أبها حاضرة عسير) الموثق بتاريخ 15 صفر 1415هـ "بأن وسائل الزراعة كانت بسيطة جدا، وأن الغرب وحباله، هو الذي ينقل الماء من البئر بواسطة الثور إلى الزرع، والمحراث والسحب والمحش، وللبعير أهمية لنقل الأثقال من الزروع أو من قرية لقرية، وكذلك الحمير والبقر للحرث، ولتموين البيت باللبن والزبد والسمن، والعقبة الكؤود في سبيل الزراعة القحط وقلة الماء، أما إذا توافر الماء وكثرت الأمطار فكل شيء جميل، حبوب وسمن وسمين، ومنها يشترى كل طلب بعد بيعها في الأسواق".
ومن جانبه أكد الأديب علي مغاوي أن المدرجات الزراعية انفردت بتخطيط هندسي رسمه إنسان المنطقة منذ عقود كثيرة قد لا يستطيع أحد تحديد تاريخها الحقيقي ولكنها تزيد عن أربعة قرون، وهذا ما فرضته جغرافية المكان المعروفة بالطبيعة الجبلية.
وأضاف مغاوي أنه عادة ما تكون تلك المدرجات متوسطة الارتفاع، وتتفاوت أعداد أراضيها أو ما يعرف بالركيب من خمس إلى عشر أراض تكون فوق بعضها البعض، ويصل ارتفاع الواحدة عن الأخرى من النصف متر إلى المترين ونصف المتر، يكون أسفلها ما يسمى الجلة التي تستقبل المياه الهابطة من المدرجات الزائدة عن حاجتها لتقوم بتصريفها، ويتحكم شكل الهلال في بناء المدرجات على السفوح، فيما تزداد توسعا وانبساطا في الأودية وجميعها تتميز بتجدد تربتها سنويا، في حين تنقسم أراضيها إلى قسمين الأولى تسمى العثري، ويقصد بها المواقع التي تعتمد على سقوط الأمطار وإنتاج محاصيلها بدون ري، بينما يطلق على القسم الثاني المسقوي أو "السقا" وهي التي تسهم الآبار في ريها.

الأكثر قراءة