دور صندوق الاستثمارات العامة في تنمية وتنويع الاقتصاد الوطني

استحواذ عملاق النفط "أرامكو" على حصة صندوق الاستثمارات العامة في "سابك" البالغة 70 في المائة هو حدث كبير نستذكر معه قصة نجاح الصندوق في تأسيس هذه الشركة. حيث كان الهدف من إنشائها هو تنويع القاعدة الاقتصادية والاستفادة من الغاز الطبيعي المصاحب – الذي كان يهدر حرقا – واستثماره ليصبح لقيما لإنتاج مواد ذات قيمة مضافة. ونظرا إلى ضخامة المشروع في ذلك الحين، كان يعد حلما شكك البعض في إمكانية تحقيقه، واليوم - ولله الحمد - نراه واقعا شاهدا على قصة النجاح. وقد أرخ الدكتور غازي القصيبي – رحمه الله – لفترة تأسيس الشركة، وذكر أنه رغم التحديات، عزمت الحكومة ممثلة في ذراعها الاستثماري، صندوق الاستثمارات العامة، على تأسيس الشركة في عام 1976 برأسمال قدره خمسة مليارات ريال على أن يتم لاحقا التنازل عن نسبة 30 في المائة من أسهمها للاكتتاب العام للمواطنين، وهو ما حدث فعلا في عام 1984. وفي هذا العام 2019، استطاع صندوق الاستثمارات العامة بيع حصته في "سابك" بمبلغ 259.1 مليار ريال "69.1 مليار دولار"، وذلك بعد أن أصبحت رابع أكبر شركة بتروكيماويات في العالم بقيمة سوقية تصل إلى 376 مليار ريال. وبهذا الاستحواذ يتحقق التكامل الرأسي المهم في الصناعة النفطية في المملكة، الذي سيسهم بدوره في تقليل الاعتماد على عوائد تصدير النفط الخام.

ولا يزال الصندوق يقوم بالدور الاستراتيجي ذاته في تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، حيث تم إطلاق برنامج صندوق الاستثمارات العامة أحد برامج تحقيق "رؤية المملكة 2030"، ويرتبط بأحد أهم الأهداف الاستراتيجية الستة على المستوى الأول، وهو "تنمية وتنويع الاقتصاد" الذي سيلعب دورا مهما في تقليل المخاطر التي قد ينكشف عليها الاقتصاد الوطني نتيجة التقلبات الشديدة في سوق النفط. إن أهمية صندوق الاستثمارات العامة تكمن في أن التغيير الاستراتيجي على مستوى الاقتصاد الكلي يحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة وكوادر بشرية مؤهلة وقادرة على الدخول في استثمارات استراتيجية طويلة الأمد وذات مخاطر قد لا يجد القطاع الخاص الجرأة الكافية للدخول فيها، وذلك لأن القطاع الخاص يفضل الاستثمارات ذات رأس المال الصغير أو المتوسط وبمخاطر منخفضة. وأصول هذا الصندوق تبلغ ما يقارب 840 مليار ريال وبمعدل عائد سنوي 3 في المائة، ويستهدف تعظيم أصوله لتصل إلى 1.5 تريليون ريال وبمعدل عائد سنوي يصل إلى 5 في المائة بحلول 2020. كما بلغت مساهمة الصندوق في الاقتصاد الوطني 110 مليارات ريال "4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي" ويستهدف زيادتها إلى 170 مليار ريال "6.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي" بحلول 2020 وإيجاد 20 ألف فرصة وظيفية.
سيسهم الصندوق في تحقيق استراتيجية "رؤية 2030" لتنويع الاقتصاد من خلال تطوير قطاعات استراتيجية جديدة، وذلك باستثماره في عدة محافظ، منها محفظة "مبادرات الاستثمارات الهادفة إلى تطوير وتنمية القطاعات" كتأسيس الشركة السعودية للصناعات العسكرية، والشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير، وإنشاء صندوق الصناديق، وغيرها من الشركات، وكذلك الاستثمار في محفظة المشاريع الكبرى: "نيوم" و"البحر الأحمر" و"القدية". كما يسعى الصندوق إلى تحقيق أفضل استثمار لفوائض الإيرادات النفطية المتراكمة وجعله أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم. وإضافة إلى الاستثمارات المحلية، تضم محفظة استثمارات الصندوق عدة استثمارات دولية تستهدف قطاع التكنولوجيا. فمن خلال صندوق "رؤية سوفت بنك"، وهو صندوق سعودي - ياباني، يهدف صندوق الاستثمارات العامة إلى استثمار 45 مليار دولار. وقد نجح الصندوق في دخول عدة استثمارات دولية ناجحة، منها على سبيل المثال شركة Uber الأمريكية المتخصصة في تطبيقات سيارات الأجرة وGM’s Self-Driving Car Unit الأمريكية المتخصصة في صناعة السيارات ذاتية القيادة، وARM Holdings البريطانية المتخصصة في صناعة الشرائح الرقمية، وAuto1 الألمانية المتخصصة في بيع السيارات عبر الإنترنت، وغيرها من الشركات المتخصصة في قطاع التكنولوجيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي