الفوائد الاقتصادية من المشاركة النسائية «1من 3»

نشأنا ونحن فتاتان، على الإيمان بأننا نستطيع إنجاز أي شيء، وأنه لا يوجد عائق لا يمكن التغلب عليه. ومع ذلك، بالنسبة لنساء كثيرات فإن الواقع لا يلبي تطلعاتهن إلى حد بعيد. ففي الهند حيث نشأت كلتانا، لم تكن الأمور ترقى إلى المساواة التامة في مجتمع الطبقة المتوسطة المحافظة نسبيا. ولكننا نظرنا إلى عدم المساواة بين الجنسين باعتبارها مسألة عدالة اجتماعية بشكل كبير. ولم ندرك أننا أمام قضية اقتصادية مهمة بالقدر نفسه إلا بعد أن بدأنا الخوض في هذا الموضوع. 
وتشكل النساء ما يقارب نصف عدد سكان العالم في سن العمل البالغ نحو خمسة مليارات نسمة، لكن نحو 50 في المائة فقط من هؤلاء النساء يشاركن في القوى العاملة، مقارنة بنسبة 80 في المائة من الرجال. ولا يقتصر الأمر على انخفاض مشاركة المرأة في القوى العاملة، لكن النساء اللاتي يتقاضين أجورا مقابل عملهن يعملن على نحو غير متناسب في القطاع غير الرسمي ولا سيما في الاقتصادات النامية حيث يخضع أصحاب العمل لعدد أقل من اللوائح، ما يجعل العمالة أكثر عُرضة لمخاطر ضعف الأجور وخسائر الوظائف. علاوة على ذلك، حتى في القطاع الرسمي، تتقاضى المرأة التي تضطلع بالعمل نفسه ولديها المستوى نفسه من التعليم أقل من نظيرها من الذكور. ونظرا لأن النساء يقضين عموما وقتا أقل في سوق العمل المدفوع الأجر، فإنهن يحصلن على معاشات تقاعدية أقل ويواجهن مزيدا من مخاطر الفقر في سن الشيخوخة. وقليل من بين اللاتي يعملن يصلن إلى مناصب عليا أو يبدأن أعمالهن الخاصة. كما تتحمل النساء حصة أعلى من العمل غير المدفوع الأجر داخل الأسرة، بما في ذلك رعاية الأطفال والمهام المنزلية، ما قد يحد من فرص انضمامهن إلى عمل مدفوع الأجر، ويقيد خياراتهن عندما يقمن بذلك. 
ويسلط بحث صندوق النقد الدولي الضوء على التكاليف الكبيرة التي يتكبدها الاقتصاد العالمي نتيجة عدم تكافؤ الفرص بين النساء والرجال. وقد افترضت دراسات سابقة أجراها الصندوق حول التأثير الاقتصادي للفجوات بين الجنسين أن الرجال والنساء يولدون على الأرجح بالإمكانات نفسها، لكن التباين في الحصول على التعليم والرعاية الصحية والتمويل والتكنولوجيا، وفي الحقوق القانونية، وفي العوامل الاجتماعية والثقافية، من شأنه حرمان النساء من إعمال تلك الإمكانات. وتؤدي الحواجز التي تواجه النساء بدورها إلى تقليص قاعدة المواهب المتاحة لأصحاب العمل "دراسة Kochhar, Jain-Chandra, and Newiak 2017" والنتيجة هي انخفاض الإنتاجية والنمو الاقتصادي. وتشير التقديرات إلى أن الخسائر التي لحقت بالاقتصاد من عدم تمكين المرأة اقتصاديا تراوح بين 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الاقتصادات المتقدمة وأكثر من 30 في المائة في جنوب آسيا وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 
وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن الفوائد الاقتصادية من إشراك مزيد من النساء في القوى العاملة تتجاوز التقديرات السابقة، ذلك لأن النساء والرجال قد يكون لديهم الإمكانات نفسها، لكنهم يقدمون مهارات وأفكارا مختلفة ذات قيمة اقتصادية "دراسة Ostry and others 2018" وقد تعكس الاختلافات بين الجنسين المعايير الاجتماعية وتأثيرها في التنشئة والتفاعلات الاجتماعية وتحمل المخاطر والاستجابة للحوافز. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسات أن النساء أكثر عزوفا عن المخاطرة، ما يعكس مخاوف أكبر من الفشل ونزوعا أقل للمنافسة. وثمة فوائد تترتب على الحذر الأكبر لدى المرأة، فمجالس إدارات الشركات التي تراعي التوازن بين الجنسين تسهم في تحسين الأداء، ولا سيما في مجال الصناعة التحويلية عالية التقنية والخدمات كثيفة المعرفة. كذلك يرتبط التنوع بين الجنسين في مجالس إدارات هيئات الرقابة المصرفية بارتفاع درجة الاستقرار المالي وبالمثل، فإن المصارف ذات الأنصبة العليا من عضوات مجلس الإدارة لديها رؤوس أموال وقائية أكبر ونسبة أقل من القروض المتعثرة، ومقاومة أكبر للضغوط، ربما لأن وجود مزيد من النساء في المناصب التنفيذية يسهم في تنوع الفكر وتكامله، ما يؤدي إلى صنع قرار أفضل. 
واستنادا إلى بيانات الاقتصاد الكلي والقطاعات والشركات، تشير دراسة حديثة للصندوق "دراسة and others 2018 Ostry" إلى أن الرجال والنساء يكملون بعضهم بعضا في مكان العمل من حيث المهارات والآراء المختلفة، بما في ذلك المواقف المختلفة إزاء المخاطر والتعاون. ونتيجة لذلك، فإن زيادة عمل المرأة تعزز النمو ومستويات الدخل أكثر مما كان مقدرا سابقا، وبما يتجاوز التحسن الذي يترتب ببساطة على زيادة العمالة. وفي البلدان التي تتسع فيها فجوة المشاركة في سوق العمل أكثر من سواها، فإن سد الفجوة من شأنه زيادة إجمالي الناتج المحلي بنسبة 30 في المائة في المتوسط. وتأتي أربعة أخماس المكاسب من إضافة عمالة إلى القوى العاملة، لكن خمسا ينشأ من زيادة الإنتاجية نتيجة زيادة التنوع بين الجنسين. وتبين الدراسة أيضا أن زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة تحقق مكاسب كبيرة من حيث الرخاء الاقتصادي، وهو ما يفسر التغيرات في السلع الاستهلاكية، وإنتاج الأسر، والوقت المخصص للترفيه؛ وهذه المكاسب تتجاوز 20 في المائة في جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وثمة نتيجة مهمة أخرى، لدى زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة، نجد أن الرجل يستفيد أيضا. لماذا؟ لأن ما تقدمه المرأة من مهارات تكميلية يرفع الإنتاجية ويعزز الأجور للجميع. وهذه الزيادة في الإنتاجية تؤدي إلى ما هو أكثر من تعويض انخفاض الأجور الذي يمكن توقعه عندما يتنافس عدد أكبر من العمالة على الوظائف. 
مجرد إشراك مزيد من النساء في القوى العاملة قد لا يكون كافيا. وهناك دراسة صدرت أخيرا عن الصندوق تحذر من التحديات التي تواجه المرأة في سوق عمل سريعة التغير "دراسة Brussevich and others 2018" فالرقمنة والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي تؤدي إلى تراجع الوظائف التي تنطوي على مهام روتينية ومتكررة وزيادة قيمة الوظائف التي تنطوي على مهارات إدارية ومعرفية... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي