Author

بيئتنا .. والجسيمات البلاستيكية الدقيقة

|


تعد الجسيمات البلاستيكية الدقيقة أصغر أجزاء النفايات البلاستيكية، لدرجة أن معظمها لا يمكن رؤيته بالعين البشرية المجردة. وتوجد هذه الجسيمات في معظم المياه المعبأة في قوارير، ومياه الصنبور، والتربة، والبحر، وأملاح الصخور، والبحيرات.
في كل عام، ينتج البشر حول العالم نحو 882 مليار رطل من النفايات البلاستيكية، ينتهي نحو 80 في المائة منها في مدافن النفايات، أو في البيئة الطبيعية. والآن، بدأ العلماء في دراسة آثار هذه الجسيمات في البشر، وتبين لهم ظهورها في الفضلات البشرية بعد التلوث الذي أصاب الغذاء البشري.
وقد تم عرض دراسة تجريبية صغيرة في المؤتمر السنوي الـ26 لأمراض الجهاز الهضمي في أوروبا، الذي عقد في فيينا في النمسا؛ حيث تناولت الدراسة فحص عينات ثمانية أشخاص من ثمانية بلدان مختلفة، وأظهرت التحاليل أن جميع العينات تحتوي على جسيمات بلاستيكية دقيقة من تسعة أنواع مختلفة من البلاستيك، وقد أجرى هذه الدراسة الباحثون من جامعة فيينا الطبية، ومن هيئة البيئة في النمسا.
وفي هذه الدراسة الأولى من نوعها، وجد الباحثون أن جميع العينات الثماني تحتوي على جزيئات من البولي بروبيلين والبولي إيثيلين تيريفثاليت، وهما المادتان اللتان تُصنع منهما غالبية القوارير البلاستيكية وأغطيتها.
ووفقا لإذاعة الراديو الوطني العام الأمريكية، فقد التزم كل فرد من أفراد العينة بنظام غذائي منتظم واحتفظ بسجل غذائي خلال الأسبوع الذي سبق جمع العينات. وقد تعرض الجميع للبلاستيك عن طريق تناول المشروبات المقدمة في قوارير بلاستيكية والأطعمة الملفوفة بالأغلفة البلاستيكية.
وقال الدكتور فيليب شوابل من جامعة فيينا الطبية ورئيس الفريق البحثي للدراسة، إن ما يثير الخوف والقلق هو احتمالية وصول هذه الجسيمات إلى مجرى الدم والجهاز اللمفاوي، وربما الكبد.
وفي الدراسات التي أجريت على الحيوانات، تسببت هذه الجسيمات في تضرر الأمعاء والكبد.
وقد وجدت مشكلة الجسيمات في المحيطات طريقها إلى الحياة البحرية بشكل كبير؛ حيث اختبر الباحثون كثيرا من الكائنات البحرية، ومن ثلاثة محيطات مختلفة بحثا عن جسيمات اصطناعية يقل طولها عن خمسة مليمترات، وكان أكثر ما وجد الفريق شيوعا هو الألياف، التي جاءت على الأرجح من الملابس، والإطارات، ومرشحات السجائر، ومعدات الصيد.
وترى إميلي دنكان من مركز جامعة إكستر للبيئة وحماية الموارد والمشارك في الدراسة أن العمل المستقبلي يجب أن يركز على تأثيرات هذه الجسيمات في الكائنات البحرية، ويجب أن يفتش الباحثون عن الملوثات المحتملة، والبكتيريا أو الفيروسات.
وقالت بينيلوب لينديك من مختبر بلايموث للدراسات البحرية، إنه خلال عملهم على مر السنين، وجد الباحثون الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في جميع الحيوانات البحرية التي فحصوها، وهو دليل واضح على أننا في حاجة إلى القيام بعمل أفضل في إدارة النفايات العالمية.
ولقد قامت مدينة نيويورك رسميا بحظر حاويات المشروبات والمواد الغذائية المصنعة من رغوة البوليسترين. وفي الأول من كانون الثاني (يناير)، بدأ تطبيق هذه السياسة الجديدة للمدينة بعد خمس سنوات من جهود الضغط والتقاضي من قبل ممثلي صناعة البلاستيك؛ للقضاء على المبادرة البيئية للمدينة.
وقبل ذلك، في عام 2013، أقر مجلس المدينة القانون الذي ينص على أن مطاعم ومحال ومتاجر بيع المواد الغذائية في مدينة نيويورك لا يجوز لها أن تمتلك أو تبيع أو تقدم حاويات للأغذية والمشروبات مصنعة من رغوة البوليسترين، إضافة إلى ذلك لا تستطيع المتاجر بيع أو تقديم "حشوات التعبئة الكروية"، وهي كريات مصنعة من رغاوي البوليسترين، وتستخدم في الشحن. وقد أضافوا الحظر المفروض على حشوات التعبئة الكروية؛ لأنها يصعب على المستهلكين والمسؤولين عن الصرف الصحي التخلص منها على نحو مستدام.
وعلى الرغم من أن هذه السياسة سارية منذ الأول من كانون الثاني (يناير) إلا أن الشركات ستحصل على فترة سماح مدتها ستة أشهر؛ لإجراء التغييرات اللازمة قبل أن تبدأ إدارة الصرف الصحي في فرض الحظر. وبعد 30 حزيران (يونيو)، ستفرض على المخالفين غرامة بقيمة 250 دولارا على أول مخالفة.
وتحسبا للقانون الجديد، تخلى عديد من مؤسسات تقديم الطعام في مدينة نيويورك عن حاويات البوليسترين، وتحولت إلى خيارات أكثر ملاءمة للبيئة. ومن بين البدائل المطروحة الحاويات المصنوعة من الألومنيوم، أو من الورق القابل للتحويل إلى سماد، أو من البلاستيك الممكن إعادة تدويره بسهولة.
ومنذ أن دخلت السوق في السبعينيات، شكلت حاويات الأغذية والمشروبات المصنعة من رغاوي البوليسترين مشكلة بيئية؛ بسبب تركيبها الهش، الذي يجعلها تتكسر إلى قطع صغيرة، تتناثر في شوارع المدينة، وفي الحدائق، وعلى الشواطئ.
ومما يزيد الطين بلة أن تتدفق هذه القطع الرغوية إلى مصارف الأمطار، وتدخل في المجاري المائية المحلية؛ حيث تلتهمها الأسماك والطيور ظنا منها أنها طعام. أما إذا حالف النجاح هذه الحاويات في الوصول إلى مكب النفايات، فيمكنها البقاء دون تحلل أكثر من قرن من الزمان.

إنشرها