Author

عن أي طموح نتحدث في «التعليم»؟

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى


سأضع بين يدي القارئ الكريم مقارنات لفهم المقصود من عنوان هذا المقال. اليوم في المملكة كثير من الجامعات والتخصصات، أكثر بكثير جدا مما كنت أحلم به عندما تخرجت في الثانوية العامة، ومع ذلك فإن الشعور بالقلق من فوات الحصول على قبول لم يتغير عند ابني أو ابنتي عنه عندي في ذلك الوقت. لقد كنا نعتقد أن مشكلة القبول تكمن في المقاعد المتوافرة، لكن مع هذا العدد من الجامعات لم تعد المقاعد مشكلة، ومع تقنيات التعليم لا يمكن أن تكون مشكلة. لهذا؛ لا أجد تفسيرا لتحطيم طموح الشباب والبنات على صخرة القبول اليوم بمشكلة المقاعد، بل هناك شيء غامض، أجهله شخصيا، ولهذا أكتب مقالي. سأروي قصة حقيقية لتحطيم الطموح بحجة المقاعد: طالبة بذلت قصارى جهدها لتحصل على القبول في جامعة كبرى، تطلب تخصص القانون، يتم قبولها بكل الشروط المستعصية، بالنسبة الموزونة والمؤهلة، التي لا معاني لها ولا تقيس شيئا، مع كل الطلاب والطالبات، ولكن في كليات تسمى البرامج التحضيرية، ثم بعد "إعادة البرمجة تلك"، جاءت شروط أخرى أكثر قسوة، فلابد أن تحصل الطالبة على معدل مرتفع، كم هو؟ للأسف، لا أحد يعرف، وبعد أن بذلت كل ما في وسعها، تم رفض قبولها في تخصص القانون، لماذا؟ لأن العدد اكتمل قبل أن يصل المعدل لها، "ما المعدل المطلوب؟"؛ بمعنى آخر، تم قبول الطلاب وفقا لمعدل تنافسي "مزايدة"، ووقف بينها وبين القبول مجرد نقطتين؛ بمعنى آخر فإن شروط القبول التي كانت معلنة قبل دخول الجامعة أصبحت متغيرة بعد دخولها. القبول في الجامعات أصبح بشروط متغيرة، غير مستقرة، حسب الأعداد تلك السنة، هل هناك صخرة أكبر من هذه يتحطم عليها الطموح؟ لنضع شروطا واضحة ومعلنة وشفافة، لنترك النسب غير المستقرة والتناقصية أو المتزايدة من عام إلى عام، لتكن الأمور واضحة وبسيطة. ومن المدهش جدا أن يُطلَب من مثل هذه الطالبة، أن تتجه إلى تخصص آخر "لا ترغبه"، وعليها أيضا أن تحصل فيه على معدل أكبر مما سبق أن حصلت عليه، "وهي غير راغبة في هذا التخصص!"، كل هذا لتعود إلى التخصص المرغوب، هل هناك صخور لتكسير الطموح أكبر من هذه؟
أصبحت الجامعات صخرة يتكسر عليها الطموح، الجامعة تجبر الطلاب على التسجيل في جميع التخصصات التي يتيحها لهم معدلهم في الثانوية والنسب "المزعومة"، ثم يأتي قبول الطالب جبرا في فروع الجامعة في مدن وضواحي المنطقة، ثم إذا قبلت الطالبة في التخصص الذي ترغبه في الفرع الذي أجبرت عليه، لا تجد هناك "ساكنا ولا سكنا"، لا تجد نقلا ولا دعما للنقل، تتخلى عنها الجامعة ببساطة، «وضعتها في اليم مكتوفة ثم قالت عودي إن استطعت»؛ بمعنى آخر تَمُنُّ الجامعة على الطالبة أن قبلتها ووضعتها ضمن أرقام القبول التي تدعيها الجامعات بالآلاف، والحقيقة أنها لم تقبلها. إذن؛ كيف تنتقل الطالبة إلى هذا الفرع البعيد جدا؟ إذا كنا فعلا نريد دعم الطموح، والفروع فلابد من إيجاد برنامج للنقل الجامعي، ولو مدفوع الأجر، أو سكن تحت إشراف الجامعة مدفوع القيمة. الجامعات تريد أن تستثمر وتدعي أنها تريد تعظيم إيراداتها، ولديها الآلاف من الطلاب يدفعون الملايين في خدمات إضافية خارج الجامعة، من بينها وأهمها النقل والسكن، مع مخاطر جمة يعلمها الجميع. الجامعة تستطيع أن تحمي الطموح، وتحقق المراد، وتنفع نفسها ومجتمعها والطلاب، لو اهتمت برعاية الطموح فقط.
الطموح يحتاج إلى توجيه وإرشاد، يحتاج إلى دعم، يحتاج إلى ثقة، يحتاج إلى فرصة ثم فرصة ثم فرصة، لقد أنفقت الدولة المليارات والمليارات لبناء مقار الجامعات، ووفرت جميع تقنيات التعليم، ومع ذلك فإن الجامعات لا تستوعب الطموح، وليس لديها حل. وهنا لدي سؤال مباشر: من يحتاج إلى توجيه واضح؟ ومن يحتاج إلى إعادة ترتيب أولوياته؟ هل هو طالب حصل على قبول في التخصص الذي يرغبه، أم طالب لم يجد تخصصه، من أولى بالرعاية؟ هؤلاء شباب وشابات المستقبل، عليهم نعول كثيرا، وبهم سنواجه التحديات، وعلى صخرة وعيهم ستتحطم مكائد الأعداء، هم أولى بالرعاية والتوجيه والإرشاد وحل مشكلة القبول، بل البحث لهم عن مخرج في حال لم يتم قبولهم في أي تخصص، يجب ألا نتركهم فريسة سهلة للأعداء، على وزارة التعليم أن تصنع مركزا لرعاية الطموح، يتصل به كل من فشل في الحصول على طموحه، أو على مقعد في الجامعات، أو وجد صعوبات في استكمال تعليمه العام، أو لم يجد فرصة في تخصصه كان يطمح إليها. هناك حل، دائما هناك حل، الشباب وبسبب صغر السن وقلة الخبرة قد لا يدركون الحل بسهولة، وقد لا يكون لديهم مرشد في المنزل لديه خبرة كافية أيضا، وهنا يأتي دور مركز رعاية الطموح لاستنقاذ طموحهم، وإصلاح التصور لديهم، والبحث لهم عن تخصص معادل في جامعة أخرى.

إنشرها