Author

تجاوز التحديات المقبلة بإرادة حقيقية

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية


يُختتم عام 2018 على نمو حقيقي للاقتصاد وصل إلى 2.3 في المائة، مقارنة بانكماشه خلال 2017 بنسبة 0.9 في المائة، الذي يعد النمو الأفضل منذ نهاية 2015، ويؤمل أن يستمر تحسن معدل النمو ليناهز 2.6 وفقا للتوقعات الأخيرة لوزارة المالية. كما وصل معدل التضخم حتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إلى 2.8 في المائة، وهو المستوى الأعلى من النمو الاقتصادي، مقارنة بانكماشه خلال 2017 بنسبة 0.9 في المائة، وإذا ما استمرت مؤشرات تحسن الأداء الاقتصادي بمشيئة الله تعالى، فالمتوقع أن يأتي أداء العام المقبل أعلى من مستويات التضخم، خاصة مع توقع ارتفاع معدلات الفائدة على الريال، التي سجلت أربعة ارتفاعات متتالية خلال عام 2018.
وعلى مستوى المالية العامة، التي لا يزال يشكل فيها الإنفاق الحكومي الداعم الأثقل وزنا للاقتصاد، فقد أظهرت النتائج الفعلية للميزانية انخفاض العجز المالي للعام الرابع على التوالي إلى ما دون 135 مليار ريال "4.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي"، مقارنة بحجمه 238 مليار ريال خلال 2017 "9.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي"، في الوقت ذاته الذي شهدت خلاله الإيرادات العامة للدولة ارتفاعا سنويا وصل إلى 29.4 في المائة "895 مليار ريال"، أسهم في نموها الجيد ارتفاع أسعار النفط، وزيادة الإيرادات النفطية خلال العام بنسبة 39.3 في المائة، وهو النمو الأكبر منذ 2012، كما لم تتأخر الإيرادات الأخرى عن النمو خلال الفترة، مسجلة نموا سنويا وصل إلى 12.4 في المائة، ولتصل إلى نسبة قياسية بلغت 27.9 في المائة من إجمالي المصروفات الحكومية.
ولضيق المساحة هنا؛ يمكن إجمال الحديث حول بقية أبرز مؤشرات الأداء الاقتصادي الأخرى، على مستوى الكتلة النقدية والائتمان المحلي والتجارة الخارجية والاستثمار أنها جميعها جاءت إيجابية خلال عام 2018، وهو الأمر الجيد جيدا مقارنة بما يمر به الاقتصاد خلال تلك الفترة من عمليات واسعة وعميقة للإصلاحات الهيكلية، والتحولات الجذرية على مستوى ركائز نموه واستقراره.
يأتي الحديث الأهم على مستوى أهم وأبرز تحديين تنمويين يواجهان الاقتصاد الوطني، المتمثلين في:
(1) زيادة توطين الوظائف في القطاع الخاص أمام آلاف طالبي العمل من الذكور والإناث المواطنين.
(2) معالجة مشكلة صعوبة تملك المساكن التي تواجه أفراد المجتمع وأسرهم.
فعلى مستوى التوطين في القطاع الخاص، أظهرت بيانات التوظيف حتى نهاية الربع الثالث 2018، تراجع نمو توظيف المواطنين والمواطنات في منشآت القطاع الخاص بنسبة 3.4 في المائة خلال فترة الثلاثة أرباع الأولى من عام 2018، وشمل الانخفاض كلا من الذكور والإناث، وأصبح معدل البطالة المقارب لنسبة 13 في المائة، تحديا تنمويا يتطلب اتخاذ مزيد من التدابير والإجراءات الهادفة إلى زيادة نمو التوطين من جانب، والعمل الجاد من جانب آخر على زيادة فعالية برامج التوطين الراهنة، وهو الجهد الذي بدأ بشكل جيد خلال النصف الثاني من عام 2018، ويتوقع أن تظهر نتائجه المأمولة بمشيئة الله تعالى قبل حلول منتصف العام الجديد.
وكما أصبح معلوما لدى الجميع، فبيئة العمل القائمة في القطاع الخاص، لا تزال تخضع بصورة كبيرة لسيطرة مرتفعة جدا من العمالة الوافدة "81 في المائة من إجمالي العمالة في القطاع الخاص"، على الرغم من انخفاضها خلال ثلاثة أعوام متتالية بنسبة 19.3 في المائة، إلا أن تركز ذلك الانخفاض في الوظائف الدنيا من حيث الدخل والمهارات والتأهيل اللازم لها، لم يكن كافيا على الإطلاق لفتح المجال أمام المواطنين والمواطنات لشغلها، كونها أدنى بكثير من مؤهلات واحتياجات طالبي العمل من المواطنين، الذي يتجاوز حملة الشهادات الجامعية منهم النصف، ويصلون إلى أكثر من 75 في المائة بإضافة حملة شهادات الثانوية العامة والدبلوم.
كل هذا يقتضي بدوره نمطا آخر من برامج التوطين، الواجب استهدافها توطين الوظائف المتوسطة والعليا في منشآت القطاع الخاص، التي أظهرت في مستوياتها العليا التنفيذية والقيادية، نموا على عكس ما كان متوقعا في أعداد العمالة الوافدة، خلال نفس الفترة التي أظهرت انخفاض العدد الإجمالي للعمالة الوافدة! ولعل وزارة العمل تلتفت إلى هذه الجوانب البالغة الأهمية، وتعمل بدورها على إقرار برامج توطين أكثر فعالية وتأثيرا، تتركز فقط على توطين تلك المواقع الوظيفية المطلوبة جدا من قبل المواطنين والمواطنات، التي ظلت في منأى بعيد وغير متأثرة بكل برامج التوطين التقليدية السابقة.
أما على مستوى تسهيل تملك المواطنين وأسرهم لمساكنهم، فعلى الرغم من جهود وزارة الإسكان السابقة، وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبته الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد، وعديد من العوامل الاقتصادية والمالية، التي أسهمت في انخفاض الأسعار المتضخمة جدا للأراضي والعقارات السكنية بمعدلات بلغت في المتوسط نحو 30 في المائة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، إلا أن معضلة تضخم الأسعار والإيجارات على حد سواء، ما زالت تقف حجر عثرة في طريق الشرائح الأكبر من أفراد المجتمع، أمام حظوظهم المشروعة في تملك مساكنهم بالأسعار العادلة، والأسعار الأقرب إلى قدرتهم من حيث الدخل ومن حيث القدرة الائتمانية، والمأمول أن تستمر وزارة الإسكان في الإسراع بجهودها الرامية إلى تحقيق ذلك، ولعل مشروعها الأهم ممثلا في نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، يعد الأداة الأقوى تأثيرا والأكثر أهمية لأجل تحقيق هذا الهدف المنشود، الذي سيكون بتنفيذها للمراحل الأخرى من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الأثر الأقوى في الإسراع باستمرار انخفاض الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات السكنية، حتى تصل إلى المستويات المقبولة والمقدور عليها من قبل أفراد المجتمع، وهو الهدف الذي بتحققه ستشهد السوق العقارية والاقتصاد الوطني، مزيدا من النشاط والخروج بمعدلات أسرع من دائرة عدم قدرة غالبية أفراد المجتمع على تملك مساكنهم بمشيئة الله تعالى. والله ولي التوفيق.

إنشرها