المشراق

الطريف .. تاريخ حاضر على ضفاف الوادي .. وآثار باقية

الطريف .. تاريخ حاضر على ضفاف
الوادي .. وآثار باقية

الطريف .. تاريخ حاضر على ضفاف
الوادي .. وآثار باقية

الطريف .. تاريخ حاضر على ضفاف
الوادي .. وآثار باقية

شهدت الدولة السعودية الأولى في عهد حاكمها الثالث الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود "1217 – 1229هــ" أوج اتساعها الجغرافي والسياسي، وبلغت أقصى قوتها ومجدها، وقد زاد اتساع الدولة وكثر أتباعها، وتعددت مصادر الدخل وثروات سكان مركز الدولة في الدرعية، وانعكس ذلك على الأسواق التجارية، والقصور السكنية، والرقعة الزراعية، وتوافد ذوي الخبرات والصناعات من داخل الدولة وخارجها إلى الدرعية، ونتج عن ذلك تمتع الناس في الدرعية بحياة اقتصادية جيدة حينها.
وينقل المؤرخ عثمان بن بشر – الذي قدم إلى الدرعية زمن الإمام سعود ودرس عند علمائها، وشاهد الإمام سعود عند خروجه يوميا من القصر - ما رآه زمن الإمام سعود في الدرعية، من كثرة الأموال والرجال والسلاح والخيول، والإبل النجيبة، والملابس. وكان ابن بشر قد حاول معرفة حجم سوق الدرعية التي تقام بين جانبي وادي حنيفة، فصعد بنفسه على مكان مرتفع مشرف على الوادي ليشاهد اتساع السوق، فوجدها مدّ البصر مليئة بالباعة والمشترين، وذكر مما يبتاعونه فيها المجوهرات والسلاح والماشية، وذكر أن في الدكاكين من الملابس والقماش والسلاح ما لا يوصف، ولا تكاد تسمع في السوق إلا قول "بعت واشتريت".
ويعلق المؤرخ الدكتور عبدالله الصالح العثيمين ـــ رحمه الله ـــ على الحالة الاقتصادية والاجتماعية للدولة فيقول "ونظرا إلى ضخامة تلك الأموال وتضاعفها نتيجة التوسعات فإن الدولة أصبحت غنية، خاصة في زمن الإمام سعود بن عبدالعزيز، ما جعلهم ينعمون بحياة تتناسب مع ظروفهم الاجتماعية في تلك الفترة".
لقد اهتمت الدولة السعودية بموارد الدخل بعد أن شمل نفوذها أغلب الجزيرة العربية، فقد سيطرت على موانئ الاستيراد في ساحل البحر الأحمر وساحل الخليج العربي وأخذت الزكاة من القبائل التي في العراق وسورية، وبلغت زكاة الحاضرة والبادية وحدها أكثر من 2.3 مليون ريال فرانسي في إحدى السنوات، ولا شك أن هذا مبلغ ضخم جدا إذا علمنا أن الإمام سعود حدّد قيمة الناقة بثمانية ريالات، أي أن دخل الزكاة يقارب قيمة 300 ألف ناقة في سنة واحدة.
وتنقسم الدرعية في عهد الدولة السعودية الأولى إلى حيين كبيرين يفصلهما وادي حنيفة:
أ- المنازل الشرقية: وتسمى بحي البجيري، ويسكن فيها الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأبناؤه من بعده حتى سقوط الدرعية عام 1233هـ.
ب- المنازل الغربية: وتسمى حي الطريف، وهي مقر أسرة آل سعود الأسرة الحاكمة.
ويحدد الشيخ عبد الله بن خميس ـــ رحمه الله ـــ حي الطريف بأنه يقع على رأس جبل مثلث غربي الدرعية جنوبيها، وهو محاط بسور وحصون، وله أبواب، وهو منزل آل سعود وأتباعهم.
وبعد اتساع الدولة وكثرة المصادر المالية، ونظرا لمستلزمات الإمام من المتاع والأهل والضيوف ومستودعات الأسلحة، ومستودعات الطعام، وتحصينا للدرعية التي تعرضت لأكثر من هجوم، فقد بنى الإمام عبدالعزيز "1179-1218هــ" قصره ليسكن فيه مع أولاده وعائلاتهم، ولما توفي الإمام عبدالعزيز حلّ فيه ابنه الإمام سعود، وقام بتوسيع قاعات القصر، وبنى غرفا وخلوات.
وكان الإمام سعود إذا صلى الظهر يستقبل الناس في قصره في موضع بناه وأعده لذلك على نحو من 50 عمودا، وجعل مجلسه ثلاثة أطوار، كل مجلس فوق الآخر، فمن أراد الجلوس في الأعلى أو الأوسط أو الذي تحته، أو فوق الأرض اتسع له ذلك. وكان له في أعلى قصره مقصورة لا يدخلها إلا كتّابه ليكتبوا له ما اتخذه وقرره في مجلسه. وبنى داخل قصره مسجدا له إمام يقوم بتعليم أطفال القصر، ويؤدي فيه الصلوات المكتوبة، وعلى ظهر المسجد يعقد الإمام سعود مجلسه ودرسه العلمي بعد صلاة المغرب. وقد بنى الإمام سعود في داخل سور قصره حوشا مفتوحا يسمى قوع الشريعة، يتسع لنحو من 3000 رجل، ولعله كان يتخذ لإدخال الغنائم لتقسيمها، أو إدخال الخيول لتهيئتها للحرب، أو مكانا لمناخات الإبل أو غير ذلك. وقد يكون هو ما سماه الشيخ عبدالله بن خميس "قوع الخيل" ووصفه بأنه الاصطبل العمومي لخيول آل سعود، ويقدر بوركهارت عدد خيول الإمام سعود بنحو ألفين، بينما ينقل ابن بشر أن لدى الإمام من الخيل العتاق 1400 فرس فقط، منها 400 تبقى في الدرعية. وكان في القصر مخازن للمدافع التي بلغت 60 مدفعا منها 30 مدفعا كبيرا، كما كان في داخله مخزن لأكثر من 400 درع، وأسلحة قديمة. ويدل على ضخامة قصر الإمام سعود أن ابن بشر نقل عن مطوّع القرآن في القصر أن زكاة الفطر عمن يسكن القصر 1300 صاع.
وبعد وفاة الإمام سعود سكنه الإمام عبدالله بن سعود "1229هــ-1233هــ"، لكنه بنى له حصونا صغيرة في مسوّرة والده. وفي السابع من ذي القعدة لعام 1233هــ حينما لجأ الإمام عبدالله بن سعود إلى سكنه في قصر الطريف، وجه الباشا مدافعه إليه فرماه من رأس الجبل، وثارت البنادق واشتعلت نارها من كل جهة، فثلمت مقاصير آل سعود بالقبوس وخرقت، لكن الله حماهم، فأخرج عبدالله المدافع التي في القصر، وجعلها فوق مسجد الطريف ورماهم بها، ثم وقع الصلح ولم يتدمر قصر الإمام الأصلي. ولعل هذا يفسّر بقاء قصر الطريف ومشاريفه العالية إلى الآن.
قال ابن خميس وهو يتحدث عن حي الطريف "وفيه قصر "سلوى" منزل آل سعود، وبيت المال، وقصر عمر بن سعود، وقصر سعد بن سعود، وغيرهما من قصور الأمراء، وفيه أيضا حصن "الدريشة"، وهو أكبر وأضخم حصن في الدرعية يطل على وادي حنيفة، وفي الحي أيضا "حمام" موضوع على شكل الحمامات الخارجية بقنواته ومواقده وأحواضه".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق