خسائر الاتحاد الأوروبي من «خروج بريطانيا»

مع قرب موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يكثر الحديث والتركيز على خسارة بريطانيا جراء الخروج، وقليل من يتحدث أو يتنبه إلى الوجه الآخر من العملة، وهو خسارة الاتحاد الأوروبي اقتصاديا جراء خروج بريطانيا منه، ولذا جاء عنوان هذه المقالة بما يخالف الحديث السائد؛ ليلفت الانتباه إلى الطرف الآخر من المعادلة، فالواضح أن الخسارة ستطول الطرفين وإن بدرجات متفاوتة.
بداية، يصنف الاقتصاد البريطاني على أنه اقتصاد "خدماتي"؛ حيث يشكل قطاع الخدمات فيه 79.6 في المائة، ومن شروط ومتطلبات الاقتصاد المعتمد بشكل كثيف على الخدمات الانفتاح بشكل لانهائي على العالم، وحركة الدخول والخروج للأموال والسياح والعمال ورجال الأعمال وغيرهم، وهو ما تعمل ضده "بريكست"، وإذا ما عرفنا أن 45 في المائة من صادرات بريطانيا تذهب لدول الاتحاد الأوروبي، فسنعرف أن "بريكست" الذي صوت له 51.9 في المائة من الشعب البريطاني في يونيو 2016 أدخل اقتصاد المملكة المتحدة في ورطة كبيرة "48.1 في المائة من الأصوات كانت ضده".
الخسارة الأكبر اقتصاديا على بريطانيا أيضا ستكون فقد العاصمة لندن مركزها كعاصمة مالية لأوروبا وللعالم، سيما مع إعلان نحو 30 مصرفا ومؤسسة مالية انتقالها إلى مدينة فرانكفورت الألمانية، ما يعنى خسائر مادية لبريطانيا تراوح ما بين 750 و800 مليار يورو، حسب تقرير نشرته "الإندبدنت" ونقلته صحيفة الأهرام المصرية.
كما سيفقد الاقتصاد البريطاني خمسة آلاف وظيفة على الأقل حالا، ونحو عشرة آلاف وظيفة بحلول عام 2022 بعد انتقال المؤسسات المالية العالمية منها، حسب تقديرات أولية لـ"المركزي البريطاني"، وهناك تأثيرات قصيرة الأجل تمثلت في انخفاض قيمة الاسترليني، وانخفاض معدل النمو الاقتصادي عن المتوقع "بعض الدراسات تشير إلى أن الاقتصاد منخفض بـ 2 في المائة مقارنة بما لو كان التصويت للبقاء".
الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي دعا إليه ديفيد كاميرون رئيس الوزراء السابق، وكلفه الخروج من منصبه "مع أنه داعم للبقاء"، جاء بسبب رئيس، وهو توافد المهاجرين من أوروبا الشرقية نحو بريطانيا؛ حيث تشير الإحصاءات إلى تجاوز عددهم ثلاثة ملايين مهاجر في أقل من ثماني سنوات، وهو ما يهدد العمالة الإنجليزية بفقد فرصهم في العمل، إضافة إلى توفير بريطانيا نحو 13 مليار جنيه استرليني تدفعها سنويا مساهمة في موازنة الاتحاد، والسبب الثالث هو تخوف بريطانيا من سيطرة دول "اليورو" على مجريات اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي؛ وهو ما يعني أن موافقة بريطانيا أو رفضها أي قرار هو تحصيل حاصل إذا ما اتفقت عليه دول اليورو، وتم عرضه لاحقا على دول الاتحاد "هناك أسباب أخرى ولكنها أقل أهمية".
بالتأكيد، حتى مع كثرة تعداد خسائر بريطانيا بسبب الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أن خسارة الاتحاد الأوروبي الذي يصنف على أنه أقوى تكتل عالمي لن تكون يسيرة، فالاقتصاد البريطاني هو الثاني من حيث حجم الناتج المحلي بعد ألمانيا، ويمثل ناتجها نحو 15 في المائة من ناتج الاتحاد كله، كما تمثل تجارة بريطانيا الخارجية ما يربو على 14 في المائة من حجم التجارة الخارجية للاتحاد.
ولذا توقعت تقديرات لصندوق النقد، أن ينخفض نمو الاقتصاد الأوروبي بمعدل 1.5 في المائة في الأجل الطويل، "سيما لو كان الخروج دون اتفاقية للتجارة الحرة"، وقال الصندوق إن إيرلندا الأكثر تأثرا، بصفتها الشريك الأول للتجارة مع بريطانيا، تليها هولندا والدنمارك وبلجيكا "توقع التقرير أن تفقد هذه الدول نحو 1 في المائة من نواتجها المحلية". ومع الخسائر الاقتصادية هناك خسائر أخرى، مثل أن خروج بريطانيا قد يكون الخطوة الأولى لخروج دول أخرى، وهو ما يهدد الاتحاد، كما سيضعف تأثير الاتحاد الأوروبي في الأمور الدبلوماسية والعسكرية، التي تجيد بريطانيا التفاوض فيها.
بالعودة إلى التصويت على الخروج، فالواضح أن المصوتين بالخروج لم يهتموا بالخسارة الاقتصادية لبريطانيا، ففي تقرير نشره معهد New Economic Thinking at the Oxford Martin School، كانت استفادة بريطانيا هي الأكبر منذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في 1973، حيث ارتفعت الدخول الفردية per-capita بمعدل 102 في المائة للبريطاني مقارنة بـ99 في المائة للألماني و74 في المائة للفرنسي، كما ارتفع معدل التجارة لبريطانيا نسبة للناتج Ratio of Trade to Economic Output من 46 في المائة في بداية انضمامها إلى الاتحاد في 1973 إلى 67 في المائة اليوم "المتوسط العالمي 56 في المائة"؛ وهو ما يعني زيادة اعتماد الاقتصاد البريطاني على التجارة بشكل كبير، وهو ما يتطلب زيادة انفتاحها لا انغلاقها على نفسها.
والخلاصة؛ إن كل المعايير والإحصاءات تؤكد خسارة كبيرة لبريطانيا جراء الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أن هناك خسائر اقتصادية ومعنوية للاتحاد الأوروبي من خروج بريطانيا، والواضح أن كلا الطرفين خاسر، وهذا ربما يعيد تفكير الطرفين في الموضوع برمته، وحسبما هو معلن فهناك زيارات وتفاهمات ونقاشات حول الخروج من عدمه، فلنتابع، ولنا عودة إلى الموضوع بعد أن يتضح القرار الأخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي