المشراق

الرس المدينة الصامدة .. رفضت المستعمر وأرهقت جنده

الرس المدينة الصامدة .. رفضت المستعمر وأرهقت جنده

فرقة من الجيش السعودي قديما

الرس المدينة الصامدة .. رفضت المستعمر وأرهقت جنده

محمد علي باشا

الرس المدينة الصامدة .. رفضت المستعمر وأرهقت جنده

الأمام عبدالله بن سعود

الرس المدينة الصامدة .. رفضت المستعمر وأرهقت جنده

ابراهيم باشا

الرس المدينة الصامدة .. رفضت المستعمر وأرهقت جنده

برج الشنانة

الرس المدينة الصامدة .. رفضت المستعمر وأرهقت جنده

غلاف الكتاب

عرف أهل الجزيرة العربية عامة، وأهل المملكة العربية السعودية خاصة برفضهم الشديد للوجود الأجنبي الاستعماري على أراضيهم، وكانت لهم على مدى قرون طويلة وقفات مشرفة في مقاومة الاستعمار والتدخلات الأجنبية. وكان يوم ذي قار من أيام العرب الشهيرة في الجاهلية في مقاومة الاحتلال الفارسي وكسره. واستمرت هذه المقاومة في القرون التي تلت، فقاوموا بكل بسالة أي احتلال مقبل إلى أرضهم المقدسة، سواء كان برتغاليا أو صفويا فارسيا، أو عثمانيا تركيا. وهي مقاومة باسلة وجهاد مقدس تكتب سطوره بمداد من ذهب. وموضوعنا اليوم عن إحدى البطولات التي حققتها مدينة سعودية هي مدينة الرس في مقاومة الاحتلال والصمود بوجهه.
أصدرت الباحثة مشاعل بنت سعد الرويس كاتبا بعنوان "موقف بلدة الرس من حملتي طوسون باشا وإبراهيم باشا"، نشر عام 1437هـ في 203 صفحات. تحدثت فيه عن رفض أهل هذه المدينة كغيرهم من مدن وقبائل المملكة العربية السعودية للوجود الأجنبي الاستعماري على هذه الأرض المباركة.
وتذكر الباحثة أن موقع الرس جعلها حلقة الوصل بين نجد وغربي الجزيرة العربية فباتت محطة محتملة لأي حملة عسكرية متجهة من نجد وإليها، وهذا ما يفسر مرور الحملات العسكرية العثمانية بالرس وحرصها على فرض الحصار عليها، إذ أثبتت الأحداث أن السيطرة على الرس هو مفتاح السيطرة على بقية المنطقة.
وتذكر الباحثة أنه منذ تلقى والي مصر محمد علي باشا الأمر من السلطان التركي العثماني، الباب العالي، بمحاربة الدولة السعودية الأولى، حتى تاريخ تحرك الجند للسفر بحرا وبرا، لم يضيع محمد علي باشا الوقت، بل استعد للحملة: عسكريا، واقتصاديا، وسياسيا. إذ قام ببناء عدد كبير من السفن، واستيراد تجهيزات السفن من الولايات العثمانية، وطلب تزويده بأنواع المدافع المختلفة، مع الذخائر اللازمة لها، من الباب العالي. ثم عين ابنه الثاني طوسون قائدا للحملة، واختار أحمد الخزندار قائدا ثانيا للحملة، وأعد عشرة آلاف مقاتل من الألبان، والترك، والسجمان، والمغاربة. ومن الناحية الاقتصادية، فرض ضرائب نقدية، وعينية، على أصحاب الحرف، وصادر أراضي الوجهاء، واحتكر تجارة الحبوب والغلال، يشتريها بالبخس، ويبيعها على الإنجليز خاصة بأسعار مرتفعة، واحتكر تجارة الرقيق، واستخدام بعضهم في خدمة الجيش وباع كثيرا منهم.
وعن أهمية الموضوع وأسباب اختياره وأهداف الدراسة، تقول الباحثة: "منذ قيام الدولة السعودية الأولى (1158هـ 1233هـ /1745 – 1818) وقيام الإمام محمد بن سعود وتعهده بنصرة الدعوة السلفية والعودة بالإسلام إلى أصوله والابتعاد عن البدع والخرافات نتيجة الجهل بمبادئ الدين، وتحقيق الدعوة نجاحا باهرا تمثل في توحيد بلدان نجد وما حولها بعد جهاد طويل، حيث وصلت حدود الدولة السعودية، من الخليج العربي شرقا إلى البحر الأحمر غربا، ومن حدود اليمن جنوبا إلى أطراف العراق والشام شمالا. وانتشرت الدعوة التصحيحية خلال نصف قرن تقريبا، وفشلت حملات ولاة الدولة العثمانية في العراق على الدولة السعودية، وتصاعد الصدام بين الدولتين، السعودية الناشئة والدولة العثمانية المترامية الأطراف، بعد الاستيلاء على الحجاز. لقد توجهت أنظار الدولة العثمانية في أسطنبول إلى واليها في مصر محمد علي باشا ليتولى قيادة حملات مصرية - عثمانية على الدولة السعودية الأولى، التي كانت من أهم وأقوى الحملات استعدادا وعتادا، حتى إن كثيرا من المؤرخين عدها أهم حدثا دينيا وسياسيا أثّر في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج العربي. ويهدف هذا البحث إلى إبراز أهمية موقف بلدة الرس من الحملات المصرية العثمانية حيث إنها مفتاح دخول تلك الحملات إلى نجد، لما تتمتع به من أهمية جغرافية وموقع استراتيجي، لهذا فقد اختارت موضوع بحثها هذا "موقف بلدة الرس من حملتي طوسون باشا وإبراهيم باشا". وتأتي أهمية دراسة هذا الموضوع أنه لم يوف حقه عند المؤرخين والباحثين، وهناك بعض الدراسات والبحوث الحديثة استعرضت أحداث حملة طوسون باشا ككل، ولم تقف عند أسباب جنوح أهل الرس للسلم مع طوسون باشا بينما صمدوا لحصار إبراهيم باشا أكثر من 100 يوم. فكان السياق التاريخي للحملات بصورة عامة لا يغطي جميع جوانب الموضوع من حيث موقف بلدة الرس من حملة طوسون باشا ثم عقد صلح الرس، وهل كان صلحا أم هدنة مؤقتة، ثم حملة إبراهيم باشا وموقف بلدة الرس منها بالمقاومة العنيفة إلى أن تم الاتفاق على استسلام البلدة.

فصول الكتاب
جاء الكتاب في عدة فصول، هي:
الفصل الأول: تعريف مسمى بلدة الرس وموقعها الجغرافي وأهميتها التاريخية منذ نشأتها وما تتميز به زراعيا واقتصاديا وعسكريا وأسباب تحصينها بقلعة وثلاثة أسوار سميكة، ثم القبائل التي سكنت المنطقة حتى نصل إلى دخولها تحت حكم الدولة السعودية الأولى وموالاة أمرائها للدولة السعودية والدعوة السلفية.
الفصل الثاني: الاستعدادات للحملة التي جهزها والي مصر من قبل الدولة العثمانية محمد علي باشا بريا وبحريا، ثم التطرق للمعارك التي حدثت بين السعوديين والحملة المصرية العثمانية الأولى التي كانت بقيادة طوسون باشا ابن محمد علي باشا، ثم وصول محمد علي باشا إلى الحجاز لخوض المعارك التي هزم فيها طوسون باشا ومن ثم الاستيلاء على الحجاز، ثم زحف القوات المصرية العثمانية بقيادة محمد علي باشا لتأمين الحجاز من جهة الجنوب بعد هزيمة قادته على يد القوات السعودية، ثم توجه طوسون إلى المدينة وموقف قبائل البادية منه، والتطرق إلى الأعمال البشعة التي نفذها محمد علي باشا بالقوات السعودية في المدينة وزحف طوسون باشا شمالا نحو القصيم ودخوله بلدة الرس، بوابة الدخول إلى نجد، ثم موقف أهل الرس من حملة طوسون واستقبالهم لها واحتلاله خمس بلدات من منطقة القصيم.
الفصل الثالث: صلح بلدة الرس مفصلا بين الإمام عبدالله بن سعود وطوسون باشا، وتستعرض فيه المؤلفة وجهات نظر الجانبين من خلال أقوال المؤرخين المعاصرين من العرب والأجانب.
الفصل الرابع: تستعرض فيه الباحثة المرحلة الثانية من مراحل الغزو، وهي حملة إبراهيم باشا، وكيف كان استعداد أهل بلدة الرس لها وشدة بأسهم وصمودهم لأكثر من 100 يوم للحملة المجهزة بجميع الأسلحة الحديثة والعتاد والرجال والخبراء الأجانب وإصرار إبراهيم باشا على ضرورة تأمين خطوط دفاع خلفه قبل غزو الدرعية، إلا أن صمود أهل الرس جعله يوافق على اتفاق مشرف لأهل مدينة الرس. كما تتحدث عن أثر موقف بلدة الرس على حملة إبراهيم باشا وعلى القوات السعودية.
وفي هذا الإطار، تذكر المؤلفة أن حملة إبراهيم باشا دخلت أثناء تقدمها إلى الرس إلى بلدة الشنانة، التي كانت خالية تقريبا من أهلها، بعد أن نقل الإمام عبدالله بن سعود القادرين من أهلها على حمل السلاح إلى الرس، لتعزيز القوات الموجودة فيها، في حين نقل الشيوخ والنساء والأطفال والماشية إلى الوشم، وقام بردم آبارها حتى لا تستفيد منها القوات الغازية، وكانت قوات إبراهيم باشا قد أنهكت أثناء سيرها، لذلك أقامت عدة أيام في الشنانة لينال أفرادها قسطا من الراحة قبل مواصلة السير نحو الرس. وبعد أن استراحت الحملة في الشنانة، تحركت يقودها إبراهيم باشا في 500 فارس من رجاله، وقبيل وصولهم إلى الرس قام إبراهيم باشا بمن معه بعملية استطلاعية لمراقبة الوضع ومعرفة المكان قبل تقدم جيشه، لكنه واجه بعض جنود الحامية السعودية في الرس واشتبك معها، وقد قتل اثنان من رجاله وجرح خمسة، وفي اليوم التالي صدرت أوامره بالتحرك إلى الرس وضرب الحصار حولها.
كانت الرس من أكبر بلدان القصيم في تلك الفترة ومن أقواها تحصينا، إذ كانت محصنة بقلعة حربية قوية وأسوار منيعة مبنية بالأحجار الصغيرة والطين الأصفر الذي يجف بسرعة وذي المتانة العالية، وكانت أسوارها تتكون من ثلاثة جدران وبذلك يصعب اختراقها، كما حفر حول البلدة خندقا عميقا لحمايتها، وقد جمعت فيها قوات مختلفة من المناطق المجاورة، كما أرسل إليها الإمام عبدالله حامية عسكرية بقيادة حسن بن مزروع وتركي الهزاني لتعزيز قواتها، إضافة إلى اشتراك الأهالي في الدفاع عنها، وعلى رأسهم أمير الرس منصور العساف وقاضيها الشيخ قرناس بن عبدالرحمن القرناس، كما تمكنت سريتان سعوديتان تحملان كميات كبيرة من المؤن من الدخول إلى الرس، ما ساعد على المقاومة أكثر. وصلت حملة إبراهيم باشا إلى الرس في اليوم الخامس والعشرين من شعبان 1232هـ/ 9 تموز (يوليو) 1871، وفورا أمر إبراهيم باشا جنوده بضرب الحصار حولها، فنصبت المدافع في أماكن متعددة، وبدأ على الفور إطلاق المدافع على هذه الأسوار بشكل كثيف ومتواصل لمدة خمسة أيام، وكان أهالي الرس يبنون كل ما يتهدم بسرعة. ثم تسرد المؤلفة تفاصيل المقاومة الباسلة للحامية السعودية ولأهل الرس الأبطال الذين صمدوا صمودا كبيرا عجزت معه القوات الغازية عن اقتحام المدينة، وتورد نماذج رائعة من هذه البطولات. حتى توصلوا إلى الصلح. وعن الصلح الذي عقدته مدينة الرس مع القوات الغازية، تذكر الباحثة أن أغلب المصادر اتفقت في أحداث حصار بلدة الرس، لكنها اختلفت في موقف الطرفين في نهاية الحصار ومن بدأ في عقد الصلح، حيث اختلفت رواية الوثائق العثمانية والمصادر المحلية المعاصرة عما ذكر في المصادر الأجنبية المعاصرة. فالوثائق العثمانية والمصادر المحلية، تشير إلى أن فشل الهجمات التي قامت بها الحملة على الرس، أدى إلى رد فعل قوي عند إبراهيم باشا وزاده تصميما للمواجهة وأخذ يعمل على تشديد الحصار ويطلب مزيدا من الذخائر والأموال والقوات للتصدي للمقاومة القوية التي واجهها في الرس، إضافة إلى مساعدة حلفائه الذين قاموا بتحركات واسعة ضد البدو الموالين للإمام عبدالله، فقد كان لهم الفضل في أغلب الأوقات في إبقاء طرق المواصلات وراء جيش إبراهيم باشا آمنة. وتذكر المؤلفة بعد ذلك شروط الاتفاق التي أملاها أهل الرس ووافق عليها إبراهيم باشا، رغم صعوبتها، حيث اتفق الطرفان على ما يلي:
1- أن يرفع الحصار عن الرس.
2- أن الأهالي ليسوا مجبرين على أن يقدموا شيئا للجيش ولا يطلب منهم مؤن أو غرامات.
3- أن الرس لن تقيم فيها حامية مصرية إلا إذا استطاع إبراهيم باشا الاستيلاء على عنيزة، وأنه إذا لم يتمكن من ذلك، فإن المعارك ستبدأ من جديد بين الطرفين.
4- ألا يدخل جنود الباشا إلى داخل البلدة مهما كانت الأسباب.
وهذا يعني عظم الخسائر والهزائم التي تعرض لها إبراهيم باشا أمام بلدة الرس، والمقاومة العنيفة التي واجهها حتى طالت مدة الحصار إلى ثلاثة أشهر و17 يوما. وبهذا الصلح انتهى حصار الرس. ويشير مانجان إلى أن خسائر حملة إبراهيم باشا بلغت نحو ثلاثة آلاف و400 رجل مقابل 160 من القوات السعودية، ويذكر سادلير أن قتلى الجيش العثماني بلغوا 900 رجل، وجرح ألف آخرين، أما الجانب السعودي فقد قتل منهم 50 رجلا وجرح 70، وابن بشر يذكر أن عدد قتلى جنود الحملة التركية العثمانية نحو 600 جندي، أما القوات السعودية فقد بلغ عدد قتلاهم 70 رجلا، وقد أعطت الوثائق العثمانية عددا مقاربا لما ورد عند ابن بشر لخسائرها، فذكرت أن جيشهم خسر 380 جنديا من مغاوير الانكشارية، وأكثر من 100 جندي من المغاربة و60 جنديا من حاشية إبراهيم باشا، فيصبح مجموع القتلى 550 جنديا، كما ذكرت أنه وقع خلال الحصار نحو 400 جريح.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق