الأحساء .. درة خضراء تحيط بها الرمال وتخترقها العيون والمياه
درة خضراء تحيط بها الرمال وتخترقها العيون والمياه، وصف لم يأت من فراغ لمحافظة الأحساء أكبر محافظات المنطقة الشرقية، التي تتميز بتنوع جغرافيتها الطبيعية التي تحتوي على واحة زراعية شاسعة المساحة تضم أربعة ملايين نخلة تنتج ألذ أنواع التمور في العالم وهو الخلاص، ناهيك عن خصوبة أرضها، ووفرة عيونها ومياهها العذبة، ومواقعها الأثرية الضاربة في عمق التاريخ.
وتقع في الأحساء مدينة الهفوف العاصمة الإدارية لها، ومدن: المبرز، العيون، العمران، الجفر، سلوى، البطحاء، ويبرين، ومجتمعات ريفية وهجر، ولتاريخ الأحساء مكانة كبيرة في كتب التراث التي أعادت شواهد الاستيطان فيها إلى العصر الحجري الحديث، وهو يعزز أن جغرافية الأحساء هي مهد الاستيطان الأول والتحول إلى من مجتمعات الصيد إلى المجتمعات الزراعية.
وموقع واحة الأحساء الاستراتيجي بالقرب من ضفاف مياه الخليج العربي جعلها محطة تجارية للكثير من القوافل القديمة حتى أنها أصبحت محلا لبيع التمور والتوابل والبخور، وسوقا للقادمين من دول آسيا، والقرن الإفريقي، وبلاد الرافدين، والشام، والجزيرة العربية، حيث يستزيدون بالبضائع والصناعات التحويلية التي تضمها أسواقها مثل: النسيج الهجري، والأسلحة، وصناعة السفن، والبخور، والعطور، والصناعات الغذائية، وأدوات البناء، والزراعة وغيرها. والأحساء عبارة عن واحة زراعية كبرى محاطة برمال الصحراء الذهبية، وتحتوي على مقومات سياحية متنوعة جعلها محط أنظار العالم حتى وصلت إلى اليونسكو، فالزائر لها يتمتع بمشاهدة الواحات الزراعية، أو السباحة في عيونها، أو التعرف على تاريخ الحضارات القديمة التي عاشت على أرضها قبل مئات السنين، أو التنزه في متنزهات الجميلة كالمتنزه الوطني في العمران المشهور بوجود ستة ملايين شجرة، فضلا عن التعرف على نباتاتها النوعية، ومنتجاتها الزراعية، والكائنات الحية التي تعيش فيها من الحيوانات والطيور التي ألفها الإنسان وألفته على مر العصور.
وتشكل الآثار ومباني التراث في الأحساء وقفة سياحية أخرى نظرا لما تحمله من عمق تاريخي في حقب مختلفة، فهي نماذج للعمارة الأحسائية بمفرداتها وإحدى مدارس العمارة الإسلامية، ويشتهر منها مواقع: عين قناص شمال العيون، وعسلج بالجبيل، وأبو حريف شمال الفضول، والمجصة بالطرف وآثار ميناء لعجير وغيرها.
أما الشواهد التاريخية في الأحساء فتنتشر على امتداد البصر مثل: الهفوف الذي يوجد فيها قصر إبراهيم الذي يشكل حلقة في العمارة العالمية بوصفه أول مبنى شيّد في القرن العاشر الهجري، ويضم عناصر رائعة أهمها مسجد القبة الذي يعتبر علامة معمارية مميزة في الهفوف، وبيت الملا (البيعة) الذي استضاف الملك عبد العزيز، ليلة دخوله مدينة الهفوف، والمدرسة الأميرية (أول مدرسة نظامية شرق المملكة)، والقيصرية، ومسجد الجبري مع الهفوف التاريخية.
وفي مدينة المبرز إحدى مدن الأحساء المعروفة باسم "المبرز" يوجد قصر: صاهد، والمحير الذي طور محيطه بوجود جادة الفنون، كما توجد المباني الأثرية مثل قصر: الكلابية، والفخرية شرق الهفوف، ومسجد الحسن، ومسجد التهيمية، كما يوجد مسجد جواثا شمالي الحليلة، وهو ثاني مسجد صليت فيه الجمعة في الإسلام عام ثمانية للهجرة، ومدينة جواثا السياحية.
واشتهرت الأحساء بصناعات تقليدية مختلفة، منها: الدلة الحساوية، والقدور المكفتة، وأدوات الحدادة والنجارة، وصياغة الذهب بالدقة الحساوية البغمة أو المرتعشة، والخلاخل، والتراكي، فضلا عن صناعة السدو والحياكة.
وقال مدير عام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في الأحساء خالد بن أحمد الفريدة عن آثار الأحساء التاريخية، إن الأحساء تفتح كل يوم مواقعها التاريخية لتحكي لزائريها قصصا عن "جواثا" ثاني مسجد صليت فيه صلاة الجمعة في الإسلام بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، و"قصر إبراهيم"، و"بيت البيعة" وهما شاهدان على جانب من رحلة كفاح الملك عبد العزيز، ورجاله من أجل توحيد المملكة العربية السعودية، و"الأميرية" بيت الثقافة والمدرسة الأولى.
وأضاف أن مسجد جواثا يعد أحد المساجد التاريخية المشهورة في الأحساء، وهو ثاني مسجد صليت فيه صلاة الجمعة في الإسلام بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقع على بعد نحو 20 كيلو مترا باتجاه الشمال الشرقي لمدينة الهفوف، وُبني أول مرة في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على يد (بنو عبد قيس) الذين كانوا يسكنون الأحساء آنذاك، ولا تزال قواعد هذا المسجد قائمة إلى وقتنا الحالي.
وبين الفريدة أن تاريخ المسجد يعود إلى بداية العصر الإسلامي، حيث كانت تقطن المنطقة قبيلة بني عبد القيس الذين كان لهم السبق في اعتناق الإسلام والعمل بتعاليمه، إذ يذكر أن حاكم عبد القيس المنذر بن عائد الملقب بالأشج فور علمه بظهور محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوفد رسولا إلى مكة لاستجلاء الأمر، وحين وصل بالعلم اليقين أسلم، وأسلم جميع أفراد قبيلته، وأقام مسجد جواثا الذي ُذكر في معظم الكتب التاريخية.