التقنيات العقارية
منذ خروج الموجة الأولى من التقنيات العقارية التي تثبت على أجهزة الكمبيوتر في بداية الثمانينيات تمثلت ببرامج تساعد على إدارة العقارات وإنجاز التقييم العقاري ووضع السيناريوهات المتوقعة للاستثمارات العقارية بالتدفقات النقدية، وهذه البرامج كانت تسهل عملية إدخال البيانات وتنظمها وتحفظها بشكل إلكتروني وتنجز بعض العمليات المعقدة مثل التدفقات النقدية وحساباتها.
نص :
في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، ظهرت فكرة الحاسبات الآلية، وأحدث هذا الأمر تحولا كبيرا في طريقة إنجاز الأعمال، وبدأ قطاع الأعمال وبعده الأفراد بتبني التقنية حتى أصبحت جزءا من حياة الإنسان، بل إن البعض أصبح يقضي وقته على الإنترنت "الحياة الافتراضية" أكثر مما يقضيه في الحياة الواقعية، ولذلك بدأ التطور في المنتجات التقنية التي تلبي احتياجات شريحة كبيرة من الذين تكيفوا مع التقنية وأضحت جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية. ولم يكن قطاع التقنية بعيدا عن المجال العقاري مع أنه من أواخر القطاعات التي تبنت التقنية، وفقا لتقرير "التقنيات العقارية" الصادر من "كلية سايد للأعمال" التابعة لجامعة أكسفورد العريقة في بريطانيا، وقد برر التقرير هذا الأمر بأن القطاع العقاري يعد تقليديا في أصله وتركيبته ونوعية المستثمرين فيه، ولذا فقد يتأخر تبني التقنيات فيه بعكس بعض القطاعات الأخرى. ومنذ خروج الموجة الأولى من التقنيات العقارية التي تثبت على أجهزة الكمبيوتر في بداية الثمانينيات تمثلت ببرامج تساعد على إدارة العقارات وإنجاز التقييم العقاري ووضع السيناريوهات المتوقعة للاستثمارات العقارية بالتدفقات النقدية، وهذه البرامج كانت تسهل عملية إدخال البيانات وتنظمها وتحفظها بشكل إلكتروني وتنجز بعض العمليات المعقدة مثل التدفقات النقدية وحساباتها. وتطور الأمر مع انتشار الإنترنت في التسعينيات وبداية الألفين لتبدأ الموجة الثانية من التقنيات العقارية التي تمثلت في منصات عرض العقارات وجمع البيانات والمعلومات بشكل موسع وعرضها بشكل آن لتكون العروض العقارية ومعلوماتها متاحة على مدار الساعة و"بضغطة زر". وقد استمر تطور هذه التقنيات إلى اليوم، ويعد وضع السوق السعودي حديثا جدا في هذا المجال، حيث لم تتجاوز أغلب المنصات خمس سنوات من الآن.
وظهر الجيل الثالث من التقنيات العقارية، الذي يعد حديثا، حيث بدأ تفعيله بعد عام 2010، وتمثلت هذه المنصات في تفعيل الاستثمارات العقارية بشكل رئيس عن طريق منصات التمويل والاستثمار الجماعي Crowd Funding و Crowd Finance. وظهرت بعد ذلك تقنيات تساعد على توثيق الصفقات العقارية وتجعلها أكثر أمانا وموثوقية واستخدمت تقنية بلوكتشين على مستوى الحكومات وكذلك القطاع الخاص لتحسين توثيق إجراءات الصفقات والتعاقدات العقارية ورفع مستوى جودتها وإمكانية تحليل ومشاركة بياناتها ومعلوماتها، ووصول التقنيات العقارية للجيل الثالث خلال السنوات القريبة الماضية وكانت برعاية حكومية من قبل الولايات المتحدة وذلك بسن تشريعات وأنظمة تتيح فرصة أكبر للشرائح المختلفة من المستثمرين، وكذلك الرياديين بالدخول للسوق وابتكار المنتجات التي تحسن من كفاءة القطاع العقاري وتجعله أكثر جاذبية وشفافية، ولا سيما بعد الركود الذي أصاب الاقتصاد الأمريكي عقب أزمة 2007، ولذا فإن الركود هو الوقت الأفضل لتفعيل الأفكار الجديدة وإمكانية تجربة الوسائل الحديثة، وأعتقد أن وقتنا الحالي في السعودية سيكون الأنسب لتفعيل هذه المنصات.
ووفقا لتقرير "التقنيات العقارية" تنقسم التقنيات إلى ثلاثة فروع:
1 - المعلومات: هذا النوع يركز على التقنيات التي تزود السوق العقارية بالبيانات وأدوات التحليل المختلفة التي ترفع من مستوى الشفافية وتحسن اتخاذ القرارات الاستثمارية، وفي البيئة المحلية ما زلنا متخلفين في هذا المجال، فالبيانات العقارية مبعثرة بين جهات متعددة ومن أهمها وزارة العدل للصفقات ووزارة الشؤون البلدية والقروية للمعلومات المكانية لكل عقار، ولكن للأسف لم تشهد الساحة أي محاولات احترافية لتحسين بيئة عرض ودمج البيانات العقارية.
2 - إتمام الصفقات: بعد الحصول على المعلومات الدقيقة التي تجعل القرارات الاستثمارية أكثر حكمة، يأتي دور إبرام الصفقات بين الأطراف المختلفة في بيئة تضمن أقصى درجات الأمان لتضمن حقوق جميع الأطراف وتلزمهم في الوقت نفسه بأداء الواجبات، وقد خطونا في السعودية خطوة ممتازة باتجاه توثيق الصفقات والتعاقدات إلكترونيا وذلك بتبني الجهات الرسمية لمنصة إيجار التي يتم من خلالها إبرام عقود إيجار العقارات إلكترونيا، ويبقى أن تتحول عمليات البيع بشكل إلكتروني لتوفير كثير من الوقت والجهد في نقل الملكية العقارية عن طريق كتاب العدل.
3 - الإدارة والتحكم في الأصول والأملاك: وتتمثل بشكل رئيس في استخدام إنترنت الأشياء Internet of Things وذلك للتمكن من قياس الأداء ومراقبة مؤشرات التكاليف للخدمات وتحسينها مع الوقت، وهذا بلا شك أصبح مطلبا مهما، ولا سيما مع التوجه لرفع الدعم عن الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه التي ستصبح عبئا ليس بالهين على ملاك العقارات، وستكون الحاجة ماسة إلى تحسين كفاءة الخدمات وتفعيل الأجهزة والحساسات والتقنيات التي تتحكم فيها وتساعد على تحسين مستوى الخدمة وخفض تكاليفها. الخلاصة، هناك فجوة كبيرة في مجال التقنيات العقارية تحتاج إلى أن يتم استغلالها من قبل المبادرين، كما يجب على الجهات الرسمية فتح أبواب التعاون من حيث توفير البيانات وتسهيل الإجراءات ليحقق الجميع أهدافه، سواء ما يتعلق بالأهداف التنموية بالنسبة للقطاع الحكومي أو الربحية، أو الاجتماعية بالنسبة للقطاع الخاص، كذلك سن الأنظمة والتشريعات، التي تحفز المبادرين ولا سيما أننا في وقت نحتاج فيه إلى تحريك عجلة الاقتصاد بمنتجات استثمارية مبتكرة ومتجددة.