آبار نجران .. معالم تاريخية لحضارات قديمة
تتميز منطقة نجران بإرثها وتراثها العميقين لما تحويه من مواقع أثرية تعكس نقوشها وأبنيتها وقلاعها تراكما حضاريا بديعا، جعلها مقصدا مهما للسائحين والزائرين والمهتمين بالتاريخ ومآثر الحضارة والإنسان في الجزيرة العربية.
وتأتي الآبار التاريخية ضمن هذه الروزنامة الحضارية والأثرية التي تتوزع في جنبات منطقة نجران والمحافظات التابعة لها، حيث ارتبطت هذه الآبار بالتجمعات البشرية باعتبار الماء عصب الحياة وأيقونة العيش، كما ارتبطت أيضا بطرق القوافل التي كانت تعبر جزيرة العرب، بوصفها ممرا للتزود بالمياه، وبالأطعمة والميرة من الأسواق التي غالباً ما تجاور هذه الآبار.
وبرزت في مقدمة تلك الآبار التاريخية "آبار حمى الشهيرة" التي تبعد عن مدينة نجران نحو 130 كيلومترا باتجاه الشمال، وتوجد في موقع حمى التاريخي التابع لمحافظة ثار، العائد في تاريخه للألف السابع قبل الميلاد حتى الألف الأول قبل الميلاد الذي يحوي متحفا مفتوحا يراه الزائر عبر النقوش والرسوم والكتابات الثمودية ونصوص المسند والكوفي المجاورة لآبار حمى الست (أم نخلة، والقراين، والجناح، وسقيا، والحماطة، والحبيسة).
ولا تزال آبار حمى تنضح بالماء العذب حتى يومنا هذا، وذلك منذ أن كانت محطة التزود بالماء للقوافل التي تنقل البخور والبهارات والمُرّ من جنوب الجزيرة العربية إلى الشام ومصر وبلاد الرافدين. وفي سلسلة الآبار التاريخية في نجران تأتي بئر الحصينية في مركز الحصينية التابع لمحافظة حبونا على طريق (نجران - الرياض) الذي اتخذ تسميته من البئر ذاتها، وتعود بالتاريخ إلى حياة ماقبل 300 عام، بوصفها ممرا للقوافل والمسافرين الذاهبين إلى نجد، أو الحجاز.
ويصل عمق بئر الحصينية نحو 70 مترا مطوية بالحجر، وما زال القليل من الماء يتجمع في قعرها حتى اليوم، ويمكن للسائح زيارتها ومشاهدتها بطبيعة الحال، خصوصا أن أمانة المنطقة ممثلة في بلدية الحصينية عبّدت إليها طريقا أسفلتيتا، وقامت الهيئة العامة للسياحية والتراث الوطني بمشروع ترميم للبئر بنحو نصف مليون ريال، لحمايتها وضمها إلى المواقع الأثرية في المنطقة، نظرا لقدمها، وموقعها الرئيس في طرق القوافل.
ويوجد في محافظة يدمة بئر يدمة التي تسمّت المحافظة باسمها، وهي من الآبار القديمة التي كانت ممرا لقوافل البخور، حيث ترك بجوارها أهل القوافل الكثير من رسوماتهم وكتاباتهم، حيث تستمر النقوش التاريخية من منطقة البئر إلى المنطقة القريبة منها غرب محافظة يدمة في كل من موقع نقبان ولبة سعدى وموقعي عباَلم وعرق فليح، حيث تضم آثارا مهمة ونقوشا ضاربة في القدم. وتشتهر في نجران البئر القديمة في قصر الإمارة التاريخي في حي أبا السعود التي يرجع تاريخها إلى عصر ما قبل الإسلام، وتوجد في باحة القصر الذي تم تشييده ليكون في موقع رئيس واستراتيجي عام 1944م/ 1363هـ، بحيث يضم البئر وتصبح داخل فنائه.