دعاية الداعية

تعوَّد الناس الدور التثقيفي والتنويري، الذي يمارسه كل الدعاة. تميز دعاة المملكة دوما بمحاولة المحافظة على سلوك يطابق توجيهات الشرع، ويغلب عليهم تحقيق ذلك بحسب المفاهيم التي يوجهون الناس نحوها، كمفاهيم العدالة والتقوى والإحسان. من هنا، أصبح الدور الذي يمارسه الداعية في المجتمع دافعا للجميع إلى محاولة تقليده وأخذ كلامه مأخذ الجد والالتزام بالسلوك الذي يرونه من شيخهم.
يستدعي هذا الدور الخطير أن يكون الداعية على قدر كبير من تحقيق الرقابة الذاتية، وعدم الاندفاع وراء المغريات المادية أو المعنوية، التي يمكن أن تبعده عن الدور الذي اتخذه لنفسه، ليصبح أداة في ممارسات لا تمت للدين بصلة. وهذه المغريات كثيرة، وهي تغازل كل مَن يحظون بالقبول الجماهيري، سواء كانوا على أرض الملاعب، أو في الشاشات، أو حتى في مواقع التواصل الحديثة.
يمكن أن نجد العذر لكل فئة من الآخرين، الذين تعد ممارساتهم وأقوالهم وسلوكاتهم قابلة للتصديق أو التكذيب، بل إن الرؤية المجتمعية تنحى في كثير من الأحيان نحو النظر إلى هؤلاء بسلبية، وهذا أمر متوقع، خصوصا عندما تكون الفئات المهتمة بالمشهور متباينة في قيمها واهتماماتها ورؤاها، وهو واقع اليوم.
أما الرجل الذي يدعو الناس إلى الفضيلة، ويحثهم على العمل الصالح، ويقف أمامهم خطيبا وموجها وناصحا، وفي كثير من الأحيان مفتيا، فهو ضامن لحصانة تجعل الصغير قبل الكبير يخشى أن تفلت منه كلمة في حق ذلك الشخص. من هنا، جاءت أهمية أن يراعي الداعية كل ذلك وهو يهم بفعل جديد، قد لا يكون سبقه إليه أحد من نظرائه في المجتمع.
عندما يروج الداعية لبضاعة معينة، هو يضع نفسه أمام الدخول في إشكالية التصديق والتكذيب، ذلك أن أذواق الناس تختلف، وما يراه أحدهم رائعا، قد يكون عند آخر سيئا. الدخول في هذه "القطبية"، يجعلني أطالب بأن يبتعد الدعاة عن الدخول في إشكالات كهذه، مهما كانت المغريات.
ليس هناك مَن يقبل بأن يرمق الداعية بصاحب دعاية الشركة الفلانية أو العلانية. ثم إن أحد كبار المثقفين السعوديين قال كلمة مهمة، وهي أن المجتمع يُصدِّق الداعية، فإن دخل في ميدان التنافس المادي بين الشركات، بدأ الناس في تكذيبه. وكي لا نرى الدعاة يتنافسون في الترويج لسلع مختلفة، ويخسرون في الأثناء معجبيهم الحقيقيين، أدعو إلى ميثاق شرف بينهم للتوقف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي