«الإيميش»

 

كنت وعدت نفسي أن أبتعد عن التعليق على أنماط الحياة التي تختص بها فئات محدودة من المجتمعات، لكنني في خضم البحث عن حلول لما فرضته التقنية الحديثة على الإنسان من قيود، وبدء سيطرة لا يعلم أين تنتهي من قبل التطبيقات والإنترنت والمفاهيم السيبرانية، وجدت نفسي أراقب أحد الأفلام التي تصور حياة مجموعة من المسيحيين المتشددين الذين يعيشون في ولايات الوسط الأمريكي في مجمعات محصورة عليهم، ويبتعدون عن كل أنماط الحياة الحديثة التي فرضتها المدينة ومكوناتها العجيبة.

يعيش "الإيميش" – هذا اسم الجماعة – على الزراعة والحياكة والأعمال اليدوية، ويرفضون كل مظاهر الحياة الحديثة، سواء كهربائية أو إلكترونية أو حركية أو خدمية. يتزوجون فيما بينهم، ويحق للواحد منهم الزواج بعدد غير محدود من النساء، ويشجعون التناسل والتآخي والتفاهم بين نسائهم وأطفالهم.
حاول كثيرون أن يغيروا نمط المعيشة هذا، ونجح بعضهم في سحب بعض فتيات وشباب "الفرقة" بعرض مباهج الحياة وما توفره المدن من خدمات وراحة وعلاقات غير محصورة في أنموذج أخلاقي ووراثي معين. بعضهم بقي بعيدا، وكثير منهم رجع بسرعة أو متأخرا إلى قريته وجماعته.
تلكم المجموعة التي رفضت الخروج إلى السيطرة المادية على المفهوم المجتمعي، دفعتني للبحث في ما يمكن أن نصبح عليه لو وصلنا لمرحلة التشبع من السيطرة الإلكترونية على حياة المجتمع. هنا، نجد الناس يهربون من العلاقة التي قد تكون بداية المتاعب. هم يرون ما رآه آباؤهم وأجدادهم كوسيلة للحياة والاستمتاع بها. هذه الحالة التي تتناغم مع أمور أخرى في حياة المجتمع، تؤكد أننا بصدد قرارات مهمة قد يكون حكماء هؤلاء القوم دلوهم عليها وضمنوا أن تكون أسلوبا لا يؤثر عليه ما يأتي لاحقا من تغييرات قد تغريهم للحاق بالموجة البشرية الهائلة التي تفقد سيطرتها على كل شيء وتتحول إلى آلات كجزء من مجموعة ضياع كبرى.
من عادوا إلى الفرقة بعد أن عاشوا في عالم التقنية والتطور والسيارات والطائرات، اعترفوا بأمر مهم، وهو أنهم كانوا يعيشون حالة من القلق والضغط النفسي الناتج عن أسلوب الحياة الجديد، وهو السبب الحقيقي لعودتهم لحياتهم البسيطة التي لا تعترف بسيطرة الآلات، فهل كانوا على حق عندما اختاروا أن يرفضوا كل الخدمات والمباهج مقابل راحة نفسية في عمر يتساوى فيه الجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي