Author

تكلفة الطالب الجامعي .. وتقييم مديري الجامعات

|

تقول إحدى المتقدمات لوظيفة في مجال التسويق في إحدى الشركات الأجنبية العاملة في بلادنا إن مرشحة للوظيفة سبقتها في الدخول إلى لجنة مقابلة المرشحات، ولم تمكث سوى دقيقة واحدة، وخرجت ثم جاء دورها لتدخل على اللجنة واستمرت المقابلة لأكثر من نصف ساعة، وبسبب الفضول سألت لماذا لم تمكث التي قبلي سوى دقيقة وخرجت؟ فقالوا لأنها لا تجيد اللغة الإنجليزية بتاتا رغم أن شهادتها وسيرتها الذاتية تثبت ذلك.
تقول هذه المتقدمة التي اجتازت المقابلة بسهولة وحصلت على الوظيفة إنها درست في جامعة أهلية من خلال برنامج الابتعاث الداخلي، وإن جودة التعليم في هذه الجامعة تفوق جودة التعليم في الجامعات الحكومية أضعافا مضاعفة، ولذلك تحرص الشركات على توظيف مخرجاتها من الجنسين لما يتمتعون به من معارف فنية في مجالات تخصصهم، ولما يتمتعون به من مهارات في اللغة الإنجليزية، والبحث، والتواصل، والعمل الجماعي، والقدرة العالية على التعلم واكتساب مزيد من المعارف والمهارات، الأمر الذي يجعلهم منتجين دون الحاجة إلى إعادة التأهيل الذي تتحاشاه الشركات بالنسبة للخريجين الجدد لارتفاع تكلفته وعدم جدواه في أحيان كثيرة.
من جانبي، سألت خريجة الجامعة الأهلية عن تكلفة دراستها التي تحملتها الدولة، فقالت لن تزيد على 200 ألف ريال، حيث إن تكلفة السنة تراوح بين 40 و50 ألف ريال فقط، وهي تكلفة تقل عن متوسط تكلفة طالب الجامعات الحكومية التي تتجاوز 54 ألف ريال حسب مرصد التعليم التابع لوزارة التعليم، وبالتالي فنحن أمام تكلفة مساوية أو أكبر مع فرق هائل في جودة المخرج.
يقول أحد أعضاء هيئة التدريس في إحدى الجامعات الناشئة إن مخرجات التعليم لهذه الجامعة ضعيفة جدا، وإن الطلبة يشتكون من عدم قبول السوق لهم، حيث انتشرت في أوساط رجال الأعمال والمسؤولين عن التوظيف في القطاع الخاص ضعف مخرجات هذه الجامعة بصورة حادة، رغم ارتفاع تكلفة الطالب بشكل كبير مقارنة بالجامعات في المدن الرئيسة، بسبب قلة أعداد المقبولين فيها، ولكون هذه الجامعة لا تسهم بصورة أو بأخرى في خدمة محيطها عن طريق البحوث والدراسات أو الأنشطة المفيدة للمنطقة.
ويؤكد ما قاله عضو هيئة التدريس أحد القائمين على برامج تنمية الموارد البشرية في المنطقة من باب خدمة المجتمع إنهم يضطرون لإعادة تأهيل خريجي هذه الجامعة بتكاليف باهظة، ما يعني أن تكلفة التأهيل مضاعفة للوصول إلى مخرجات تقبلها السوق وتستطيع المنافسة على الوظائف المتاحة ولو بالحدود الدنيا.
يبدو، من خلال ما أسمعه وأقرأه، أنه رغم ما تبذله وزارة التعليم من جهود كبيرة لرفع جودة التعليم في جامعاتها ورفع كفاءة مخرجاتها الطلابية لتكون منافسة وملائمة لاحتياجات السوق خصوصا أن الدولة تنفق نحو 86 مليار ريال سنويا، وهو ما يعادل 10 في المائة من ميزانية الدولة، وهو مبلغ كبير جدا، أقول رغم ذلك إلا أن لمدير الجامعة دورا كبيرا في نجاح أو فشل الجامعات في رفع كفاءة مخرجاتها من طلاب، وبحوث ودراسات، وكوادر بشرية وطنية مؤهلة للتدريس الجامعي والمشاركة في اللجان التنموية في المنطقة، ومن أنشطة خدمة مجتمع في البيئة التي توجد فيها الجامعة.
ولنجاح أو فشل مدير الجامعة في قيادة الجامعة بنجاح مؤشرات عديدة، ومن ذلك مدى النجاح في إعداد وتنفيذ خطة استراتيجية للجامعة وفق مؤشرات قياس معتمدة في إطار خطة "آفاق"، ومدى اكتمال كليات الجامعة ومبانيها وقاعاتها وتجهيزاتها، وعما إذا حصلت الجامعة على الاعتماد الأكاديمي من الهيئة السعودية للاعتماد الأكاديمي، وكذلك مدى رضا الهيئة التدريسية والطلاب والطالبات، وكذلك كم ونوع الشكاوى من خلال الطرق النظامية ومن خلال الوسائل الإعلامية، وكذلك سمعة الجامعة لجهة جودة مخرجاتها وإقبال الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص على توظيف خريجيها، ومن ذلك ترتيبها بالنسبة للجامعات الدولية والجامعات السعودية، إلى غير ذلك من المؤشرات المهمة والحيوية.
ورغم وجود كل هذه المؤشرات إلا أنني حقيقة أتمنى تطوير مؤشر يربط متوسط تكلفة الطالب في الجامعة بجودة تعليمه وتأهيله فنيا، ومهاريا، واتصاليا، وذهنيا، والمدة التي ينتظرها في المتوسط للحصول على وظيفة مناسبة، لكون هذا المؤشر يجعل مدير الجامعة حريصا كل الحرص على خفض التكلفة ورفع الجودة. وخفض التكلفة يتأتى من خلال رفع أعداد المقبولين، وإجراء البحوث والدراسات المفيدة للمنطقة، وكذلك المساهمة في تنمية محيط الجامعة تنمويا بأنشطة وفعاليات ملائمة لها، في حين أن رفع الجودة يتأتى من خلال تطوير المباني والكليات والقاعات وتزويدها بالمتطلبات وكذلك من خلال اختيار هيئة تدريسية مؤهلة على أساس الكفاءة وليس لأي سبب آخر.
كنت أود أن أقول إن الحل الأمثل لرفع مستوى التعليم الجامعي في الجامعات الحكومية خصوصا التي لا تقع في المدن الرئيسة ذات الكثافة السكانية التي تقع تحت أنظار كبار المسؤولين في الدولة يكون بالخصخصة على أن تتكفل الدولة بتكاليف الطلبة المقبولين للمرة الأولى في الجامعة وفق شروط تحفزهم على الاستمرارية وعدم التسرب، وكلنا يعلم أن الخصخصة تتركز حول تحقيق العائد على رأس المال، وبالتالي فإن سمعة الجامعة رأسمالها الذي تحرص عليه لتحقيق الإيرادات والطلب المتنامي على خدماتها، والسمعة لا تأتي إلا من خلال جودة المخرجات، إلا أن تصريح وزير التعليم أن خصخصة الجامعات السعودية ليست واردة في نظام الجامعات الجديد قطع الطريق على هذا المقترح، ما يجعلنا أمام خيار رفع الكفاءة والإنتاجية وخفض التكلفة فقط.
ختاما، أتطلع إلى أن تكون معايير تقييم مديري الجامعات صارمة وفق مؤشرات أداء ربع أو نصف سنوية، وأن يتم استبعاد أي مدير جامعة يخفق في تحقيق الأهداف مهما كانت أعذاره.

إنشرها