Author

التأهيل المكثف للقيادات الإدارية .. و«كفاءة الأداء»

|

إحدى الجامعات الحدودية تعاني عدم اكتمال المباني، ودائما ما تتعرض لشكاوى متعددة تبرز بين الفينة والأخرى من قبل الطلاب، وبعض أعضاء هيئة التدريس، الأمر الذي جعل اسم هذه الجامعة يتردد بشكل سلبي في وسائل الإعلام الإلكترونية والتقليدية، ويسجل "ترند" أكثر من مرة في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" لعرض مشكلة يعانيها الطلاب، أو الطالبات، أو الهيئة التدريسية إلى غير ذلك من الأسباب. هذه الجامعة أيضا، بحسب أهالي المنطقة، بعيدة كل البعد عن خدمة محيطها لجهة قضاياه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ذات الأولوية.
ما يحزن أهالي المنطقة أن جامعات المناطق المجاورة اكتملت مبانيها، وحققت رضى وكلائها، وعمدائها، وهيئاتها التدريسية، إضافة إلى طلبتها، كما أنها تسهم بصورة أو بأخرى في خدمة محيطها في القضايا ذات الأولوية، الأمر الذي جعلهم يغبطون، إن لم يكونوا يحسدون، أهالي المناطق المجاورة لما حققته جامعاتهم من إنجازات وتقدم مطرد على مستوى جودة مخرجاتها التعليمية والبحثية.
وعندما تسأل أبناء المناطق ذات الجامعات الناجحة يأتيك الرد مباشرة ودون تردد بأن قيادات جامعاتهم تتميز بالجدارة والمواقف والسلوكيات الإيجابية، وبالتالي تجدهم يقولون رزقنا الله بمدير جدير وذي موقف إيجابي نحو المنطقة وأبنائها، وإن الله لم يبتلهم كالمناطق الأخرى بمدير غير جدير وذي موقف سلبي تجاه المنطقة وأبنائها، وتجدهم يحمدون الله على اكتمال مباني جامعاتهم، وكلياتها، وقاعاتها الدراسية المجهزة، وكم ونوعية هيئة التدريس، وجودة المناهج، واحترام الأنظمة واللوائح والعدالة في تطبيقها، وجودة المخرجات التعليمية، وقلة المشاكل والشكاوى، وفي نوعية مشاركة جامعة منطقتهم في خدمة محيطها.
ويؤكد أهالي المناطق أنه مهما برر مدير الجامعة المتأخرة عن بقية جامعات المناطق الواقع فإن الأمر لا يتعدى الأعذار، والناس لا تنتظر من المدير الأعذار إنما تنتظر منه النتائج، والقادة يختلفون عن بعضهم بعضا بالقدرة على اغتنام الفرص، ومواجهة التحديات، وتحقيق الأهداف دون أعذار بروح الإبداع، والابتكار، والمبادرة، والإصرار.
حال فروع الأجهزة الحكومية وبعض الجمعيات الخيرية والتنموية في بعض المناطق خصوصا المناطق الحدودية لا يختلف كثيرا عن بعض جامعاتها، حيث الفروقات واضحة وجلية في كفاءة هذه الفروع ومدى نهوضها بمهامها وتحقيق أهدافها التنموية والخدمية، وعادة ما تجد أهالي المنطقة يثنون أو يلومون القيادات، على اعتبار أن القيادة تشكل العنصر الحاسم في تفعيل أو إضعاف الجهاز الحكومي للنهوض بمهامه وتحقيق أهدافه.
ولأهمية القيادات الإدارية في توجيه الطاقات نحو الأهداف لتعظيم كفاءة الموارد تولي الدول اهتماما كبيرا بجدارة القياديين للتأكد من قدرتهم على النهوض بمهامهم وتحقيق أهدافهم على أكمل وجه، بما يحقق الهدف الرئيس من إنشاء الأجهزة أو الشركات أو الجمعيات المدنية التي يقودونها.
وهناك تجارب دولية كثيرة لتطوير القادة وتأهيلهم التأهيل العالي ليرفعوا كفاءة وإنتاجية المنشآت الحكومية أو الخاصة أو المدنية التي يقودونها للوضع الأمثل، بل هناك تجارب دولية لتطوير قادة القطاعات الثلاثة (الحكومية، الخاصة، المدنية) بشكل مشترك لتحقيق هدفي التأهيل والتجانس، على اعتبار أن التأهيل يرفع كفاءة الأداء والإنتاجية، في حين أن التجانس يحقق أعلى درجات التفاهم، والتنسيق، والتعاون بين قادة القطاعات لإيجاد بيئة صحية محفزة تراعي مهام القطاعات وأهدافها كافة، وبالتالي يمكن الاستفادة من هذه التجارب الدولية ونقلها لبلادنا خصوصا للمناطق الحدودية التي عادة ما تعاني نقص الكفاءات وضعف تأهيلها لكون معظم الكفاءات يحرص على العمل في المدن الرئيسة لتوافر فرص العمل المميزة والعوائد المالية المجزية.
الوصول إلى قيادات كفوءة تتجاوز قضية تسيير الأعمال بما يعفي من المساءلة إلى قيادة التغيير والتطوير وتغيير القناعات والمواقف والسلوكيات على مستوى الموظفين على مستوى الشرائح المستهدفة ينطلق من مرحلة الاستقطاب، حيث إن للقادة جملة من الجدارات يمكن تمثيلها بهرم قاعدته السمات الشخصية التي تشكل الاستعداد الطبيعي لتحمل المسؤولية، ومن ذلك الذكاء وسرعة البديهة، والثقة بالنفس، والإيمان بالقيم، والحزم، والقدرة على التكيف، والقدرة على التواصل، وحشد الجهود والطاقات، ثم تأتي بعد ذلك منظومة القيم الأخلاقية كالصدق، والأمانة، والنزاهة، والاحترام، والعطاء، والشجاعة وغيرها، وكذلك منظومة المفاهيم التي يؤمن بها حيال المسؤولية، والتطوير، والتنمية، والنمو، والمنافسة، وخدمة الناس، وأخيرا وفي قمة الهرم تأتي المعارف والمهارات الفنية المتخصصة في فرع من فروع العلم والقدرة على الأداء الجيد في حدود التخصص.
وبحسب علمي أن الاستقطاب نادرا ما يتم على هذه الأسس والمنطلقات، بل يتم من خلال التدرج الوظيفي بمرور الزمن، أو من خلال الآراء والانطباعات الشخصية حيال مرشح معين، أو من خلال المحسوبيات والشللية والتكتلات، أو بهدف إيجاد توازنات معينة، وبالتالي فإن كثيرا من القادة يحتاجون إلى تدريب مكثف لتأهيلهم من حيث سماتهم الشخصية في جانب القيم والمفاهيم للتعزيز الإيجابي والحد من السلبي منها، وتأهيلهم في جوانب المهارات الفنية المتخصصة، والإنسانية، والذهنية التي تشمل المهارة الإدارية من حيث فهم العمل والقدرة على توزيعه بشكل عادل، والتقييم وفق مقاييس الأداء، كما تشمل المهارات السياسية المتمثلة في فهم وتبصر المصالح والأهداف العامة للدولة، والارتباط بالنظام العام والربط بين أهداف المنظمة وسياساتها وبين أهداف وسياسات الدولة والمجتمع.
الحاجة إلى تدريب القيادات في جميع منشآتنا خصوصا الحكومية منها باعتبار أن الحكومة تقود اليوم عملية تحول غير مسبوقة أصبحت من وجهة نظري ضرورة وليست خيارا.
ختاما، أتطلع إلى أن تتبنى إمارات المناطق خصوصا الطرفية منها بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد والتخطيط، والوزارات والهيئات ذات الصلة، تأهيل قيادات فروع الأجهزة الحكومية ليكونوا مؤهلين بالشكل الأمثل ليصبحوا عناصر داعمة.

إنشرها