قصر مارد .. أثر باقٍ يحكي تاريخ ما قبل الميلاد
يعد قصر مارد في دومة الجندل؛ أحد أكثر الآثار أهمية في شمال السعودية، ويمثل القصر قلعة مسورة تنتصب على مرتفع يطل على مدينة دومة الجندل القديمة، التابعة لمنطقة الجوف.
وذكر ياقوت الحموي؛ في "معجم البلدان"، أنها سُميت بهذا الاسم لتمردها واستعصائها على مَن يحاول اقتحامها. وأُعيد بناء بعض أجزاء القلعة، إلا أن القسم الأكبر منها ظل على حاله منذ إنشائها في قديم الزمان. وعن قصر أو قلعة مارد، يذكر ثامر المالكي؛ أن تاريخ مدينة دومة الجندل وقلعة مارد يرجع إلى أكثر من ألفي عام عندما ورد ذكرها في مدونات من العصر الآشوري، خصوصاً أن هناك نصوصاً مكتوبة ومفصّلة تتحدث عن الجوف، تعود إلى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، وتحدثت تلك النصوص عن مدينة دومة الجندل؛ بوصفها عاصمة لعدد من الملكات العربيات.. ولكن النصوص لم تحدد الزمن الذي بُنيت فيه قلعة مارد أو مَن قام ببنائها.
يذكر الرحالة الواس موسيل؛ أن الملكة سمسي؛ ملكة دومة الجندل، أثارت نقمة الحاكم الآشوري "تغلات فالشر؛ 732 قبل الميلاد" بعد مساعدتها لملك دمشق ضد الآشوريين، فما كان منه إلا أن جهّز حملة عسكرية لإخضاع الملكة العربية، وذكر النص الآشوري أن الملكة سمسي؛ أصيبت بخسائر فادحة جداً؛ إذ قُتل 1100 رجل، و30 ألف جمل، و20 ألفاً من الماشية، ودعم خبر الانتصار بصور على اللوح الذي ورد فيه الخبر؛ منظر فارسين آشوريين يحملان رمحين ويتعقبان أعرابياً راكباً جملاً، وتحت أعقاب الفارسين وأمامهما جثث الأعراب الذين خروا صرعى على الأرض. وذكر أن الآشوريين وجّهوا اهتمامهم إلى دومة الجندل مرة أخرى حينما هاجم الملك سنحاريب؛ دومة الجندل عام 689 قبل الميلاد، كما هاجم البابليون المدينة كالهجوم الذي شنّه الملك البابلي نبوخذ نصر؛ على قبيلة قيدار، والهجوم الذي شنّه الملك البابلي نابونيد (539/56) قبل الميلاد على دومة الجندل في السنة الثالثة من حكمه.
يذكر المؤرخون أن الملكة العربية الشهيرة زنوبيا؛ التي حكمت تدمر بين 267 و272، غزت دومة الجندل، لكن قلعة المدينة كانت حصينة؛ حيث لم تتمكن من اقتحامها فعادت من حيث أتت، وقالت قولتها الشهيرة: "تمرد مارد وعز الأبلق".
وفي كتاب "الجوف وادي النفاخ"، يذكر المؤلف أن الهدم والتدمير أصابا الجدار الخارجي للقلعة والأبراج بعد هجوم وقع عام 1270هـ. التقطت لقلعة أو قصر مارد الكثير من الصور، ومن أقدمها الصورة التي صوّرها ميجر هولت؛ عام 1922.
الجدير ذكره أن في مدينة الأسياح بالقصيم قصراً قديماً بالاسم نفسه، ليست له علاقة بالقصر الذي نتحدث عنه، وإنما تطابق أسماء.