إمارات المناطق .. وأوقات الصيف الحرة

أظهرت الإحصائيات الأخيرة لبرنامج "نور" أن عدد طلاب وطالبات التعليم العام في المملكة تجاوز ستة ملايين طالب وطالبة منهم 4895466 طالبا وطالبة سعوديون، ويضاف إليهم نحو مليون ونصف المليون طالب وطالبة في جميع مؤسسات التعليم العالي، وبمعادلة بسيطة تقريبية سيكون لدى كل طالب نحو 1900 ساعة حرة خلال إجازة الصيف التي تمتد لنحو 120 يوما بافتراض أن وقت النوم في المتوسط هو ثماني ساعات يوميا، وإذا ضربنا عدد الطلاب بعدد الساعات المتاحة لكل طالب سيكون لدينا مورد زمني نحو 13 مليار ساعة وهي ثروة حقيقية لو تم استثمار 20 في المائة منها لمصلحة الطلاب.
الوقت الحر هو وقت يتحرر فيه الإنسان أيا كان عمره من الواجبات المفروضة، وبالتالي فإن الوقت الحر يتصف بالطابع التحرري من الواجبات ويمنح الفرد حرية اختيار النشاطات، ويوفر ظروفا أيسر لإمكانية الاستمتاع والحميمية وتحقيق الذات بعيدا عن كل أنواع الإكراه وأشكاله، وعادة ما يرتبط الوقت الحر بالمتعة والسرور وكسر الروتين.
ويختلف الأفراد في استهلاكهم للوقت الحر حسب مواقفهم وسلوكياتهم لجهة الراحة والمتعة والاستجمام، فالبعض يستمتع بمشاهدة التلفاز والأفلام والمسلسلات، والبعض بممارسة الألعاب الإلكترونية، والبعض بممارسة الرياضة، والبعض بالقراءة والاطلاع، والبعض بالزيارات الاجتماعية، والبعض بالرحلات والسفر وهكذا وكل ذلك مرتبط بالإمكانات، وكلنا يعلم أن الأطفال والشباب هم الفئات الأقل إمكانات لأنهم يعتمدون على أسرهم في إيراداتهم، وبالتالي عادة ما يبحثون عن الإمكانات العامة التي توفرها الدولة لاستثمار أوقاتهم الحرة بما هو مفيد ونافع ويحقق لهم المتعة والفائدة، وإلا تحولت أوقاتهم الحرة إلى أوقات فراغ ضارة وربما قاتلة.
ولقد شهدت قضية استثمار الأوقات الحرة جدالات في مؤتمرات عدة وبأكثر من دولة متقدمة باعتبار الوقت الحر مجالا واسعا للأجهزة الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني، وشركات القطاع الخاص المعنية بالأطفال، والشباب لتحقيق أهدافها التربوية، والاجتماعية، والاقتصادية متى ما أحسنت تقدير احتياجات ورغبات وأذواق الأطفال والشباب، وخصوصا أن الأوقات الحرة ليست موسمية، وإن كانت تزداد في مواسم الإجازات في الصيف، فأحد تعاريف الوقت الحر ينص على أن الوقت الحر هو الوقت الفائض بعد خصم الوقت المخصص للعمل والنوم والضرورات الأخرى من الـ 24 ساعة. وفي كل الأحوال ما لم تتبن جهة رسمية قيادة الأجهزة والمؤسسات والمنشآت المعنية بتمكين الأطفال والشباب من استثمار الوقت الحر فإن سلوك الأطفال والشباب سيكون عشوائيا ويخضع للمصادفة وتقلب الظروف، وهنا تكمن الخطورة، حيث تتحول تلك الأوقات إلى عبء على الأطفال والشباب والمجتمع بشكل عام، لتصبح سببا من أسباب الضجر، بل قد تصبح هذه الأوقات دافعا للهروب من الواقع بالمخدرات، أو ارتكاب الجرائم، أو على الأقل فقدان التواصل مع المجتمع مثلما يحدث بإدمان الجلوس أمام الكمبيوتر والإنترنت لساعات طويلة، وبذلك تتحول أوقات الفراغ إلى قنابل موقوتة.
ولكون إمارات المناطق هي الجهة المعنية بالجوانب الأمنية والتنموية في المناطق، والمحافظات، والمراكز فإنها تعتبر الجهة الرسمية الأمثل لقيادة حراك مخطط، ومنظم، ومتعاضد لجميع الأجهزة الحكومية والمنشآت الخاصة والمؤسسات المدنية لتوعية أولياء الأمور، والأطفال، والشباب بالأوقات الحرة وأهمية وكيفية استثمارها بما يعود عليهم بالنفع على المستويات النفسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، بما يجنبهم مخاطر تحولها لأوقات فراغ قاتلة تجعلهم فريسة سهلة للمتربصين بهم من أصدقاء السوء، ومن تجار وموزعي المخدرات، ومن أصحاب الأفكار الشاذة والهدامة على المنصات والمواقع الإلكترونية والألعاب الإلكترونية المباشرة من خلال شبكات الإنترنت.
ولعل أكثر الأجهزة الحكومية قدرة على المساهمة أمانات المدن والبلديات بتجهيز الساحات، والحدائق، والأراضي الفضاء بمتطلبات ممارسة الألعاب الرياضية خصوصا كرة القدم التي يقبل عليها الشباب بشكل كبير، ويمكن أن يكون للبلديات دور فاعل بالترخيص للمدارس الأهلية والحكومية، والمراكز الرياضية الخاصة، والمراكز الرياضية التابعة لهيئة الرياضة لاستثمار مرافقها الرياضية بأجر ودون أجر لتمكين الأطفال والشباب من ممارسة الألعاب الرياضية بما في ذلك السباحة لمحو أميتها وتعليم الأطفال والشباب مهاراتها باعتبارها رياضة الحياة.
أيضا يمكن لمؤسسات المجتمع المدني المعنية برعاية الشباب وحمايتهم من الآفات كالتدخين، والمخدرات، ومشروبات الطاقة ذات الأضرار الصحية المساهمة الفاعلة في إيجاد بدائل ترفيهية للشباب لاستثمار أوقاتهم الحرة بالتنزه، أو القراءة، أو المشاركة في البحوث والدراسات، أو بالأنشطة التطوعية في مجالات التطوع كافة، ويمكن للجامعات في جميع المناطق ومن خلال مهمتها في خدمة المجتمعات المحلية المحيطة بالجامعات توفير خدماتها ومرافقها لشغل أوقات الشباب وخصوصا أن معظمها لديه فائض طاقة في المرافق والخدمات أوقات الصيف حيث ينخفض أعداد الطلبة بشكل كبير.
الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني يمكن أن تلعب دورا كبيرا في توفير البرامج والأنشطة السياحية في المواقع السياحية كافة، وكذلك هيئة الترفيه ببرامجها الترفيهية يمكن أن تلعب دورا كبيرا أيضا في شغل أوقات الأطفال والشباب الحرة بما يسليهم، ويحقق لهم التوازن النفسي، ويجنبهم مخاطر أوقات الفراغ، وكل ذلك يمكن أن يكون في إطار برنامج تقوده إمارة المناطق بالتعاون مع محافظاتها ومراكزها لاستثمار الساعات الهائلة المتاحة للشباب ليكسبوا ما ينفعهم ويقدموا لمجتمعاتهم ما ينفع أيضا.
الشرط، وإدارات المرور، والجهات الإسعافية كالهلال الأحمر يمكن أن تسهم هي الأخرى بشكل كبير في شغل الأوقات الحرة بطرح دورات تأهيل مجانية وإتاحة فرص مشاركة الشباب في أنشطة تنظيم السير، وتوعية قائدي المركبات، وكذلك خدمات الإسعاف الأولية.
ختاما، الأوقات الحرة مورد ثمين يمكن استثماره في المجالات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية متى ما انبرت إمارات المناطق لتحفيز الجهود وحشدها لتمكين الأطفال والشباب من استثمارها، وإلا تحولت هذه الأوقات إلى مشكلة يعانيها المجتمع، فضلا عن الأطفال والشباب، وكلي ثقة باهتمام أمراء المناطق باستثمار هذا المورد الثمين لدعم الخطط الأمنية والتنموية لبلادنا العزيزة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي