القيمة الكامنة في «اللاوعي» «2 من 2»

مع بداية الخطوة الثانية من أسلوب الرؤية الليلية تبدأ مرحلة التأمل التي يتم التعامل فيها مع كل المشاركات الفردية باحترام ومن دون حكم أو انتقاد. تأتي بعدها خطوة توليد الأفكار الربطية التي من الممكن أن تكون لها علاقة بالقضية قيد المناقشة التي من الممكن أن تتمثل في صورة، مشهد تلفزيوني، مشاعر، ذكريات، أي نوع من الأفكار الربطية. وبالفعل فقد رأينا تنوعا كبيرا في الأفكار الربطية المطروحة من أغان رائجة إلى مشاهد من الأفلام أيضا، وصور لمحيطات وشواطئ هادئة وحتى قلاع تلتهمها النيران، فضلا عن المشاعر المتنوعة من الخوف وغيرها. أفكار ليس لها حدود أو حواجز الغرض منها الوصول إلى مستوى أعمق من الفهم الذي غالبا ما يتخطى الوعي والإدراك ويقودنا بدوره إلى رؤى وروابط جديدة.
يجب على الرئيس خلال هذه المرحلة ضمان حرية الأفكار وعدم الحكم عليها أو انتقادها، والسماح لها بالتدفق، فكل المشاركات سيتم طرحها على طاولة الحوار من دون جدال. تبدأ الخطوة الرابعة عندما يقوم أحدهم بربط إحدى هذه الأفكار الربطية بالمسألة قيد النقاش، فالربط جسر يصل بين اللاوعي والوقت والمكان الراهن. وكمثال واقعي، نذكر إحدى عمليات الاندماج بين مصرفين التي واجهت عديدا من التحديات التي تعوق سلاسة العلاقات بين الشركاء. حيث خيم جو من عدم الثقة على العلاقة ولكن أحدا لم يستطع الإشارة إلى السبب بشكل مباشر. ولكن عندما قام المديرون المعنيون بتطبيق مفهوم" الرؤية الليلية" توصلوا لفكرة ربطية مشتركة وهي "المواراة"، حيث عانى الجميع خلال المرحلة الأولى مخاوف الالتزام الطويل، فاتضح أن كلا الطرفين كان لديه الشعور بأن الطرف الآخر من الممكن يقوم بخداعه ومع ذلك لم يتم التطرق لهذا الموضوع بينهم ولا حتى داخليا ضمن المؤسسة نفسها. كان أحد الأطراف على وجه الخصوص على علم بأن الطرف الآخر لا يزال موجودا في السوق يبحث عن شراكة أخرى. وبعد التوصل للمسبب الأساس للمشكلة قام كلا الطرفين بالاعتراف بعدم جدوى اندماجهما وتم حل الاتفاق وبذلك تجنبا مزيدا من النزاع العقيم والمستمر وكثيرا من المال والجهد على حد سواء.
تأتي بعدها الخطوة الخامسة "التنميط" حيث يبدأ الفريق بتحديد الأنماط في الأفكار الربطية المقدمة من قبل المجموعة، وهو ما يستدعي التمعن والتحقيق في حال وجود أي تماثل بين اثنين أو أكثر من هذه الأفكار، ففي المثال السابق عن اندماج المصارف، كان النمط الذي ظهر في الأفكار الربطية هو التجنب أو التفادي الذي قاد المديرين التنفيذيين المعنيين بدوره إلى تحديد المشكلة واكتشاف الحلول، حيث تعتبر الأنماط التي يتم الوصول إليها، مساحة واسعة للفريق يكتشف من خلالها خيارات إضافية للتدخل، وهذا يفضي إلى الخطوة السادسة والأخيرة التي يطلق عليها عملية الربط.
يخبرنا علم صناعة القرار بأهمية تنوع طرق تفكير الفريق، فمفهوم الرؤية الليلية جاء ببعد جديد من المعرفة من خلال دمج واستغلال التنوع في طرق التفكير، خاصة مخاوفنا وتطلعاتنا اللاواعية واللاعقلانية.
فغالبا ما يميل الأشخاص الذين يعملون ضمن فريق إلى اتخاذ الحيطة والحذر عند استشعارهم خطبا ما في قرار أو استراتيجية معينة، ويفضلون عدم التحرك بدلا من معالجة الأمر، ولكن عندما يستخدم الفريق مفهوم الرؤية الليلية يصبح بإمكانهم تجنب الوقوع في فخ التفكير الجماعي. وبناء على تجاربنا فإن هذه المنهجية تمكن الفريق من الكشف عن العقبات واتخاذ قرارات أفضل مبنية على معطيات لم يسبق أن تم اتخاذها في عين الاعتبار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي