«الأوتسورسنق» لا يخدم مستقبل المواطن

استخدمنا للعنوان كلمة "الأوتسورسنق"، وهي تعريب دارج للكلمة الإنجليزية، sourcing out وتعني التوظيف غير المباشر الذي تمارسه الآن جهات محلية متعددة. وهو، في أغلب الأحوال، نوع من التهرب من المسؤولية الأدبية والحقوقية، بالنسبة للطرف الذي يستقبل التوظيف. ونعني بذلك مسؤولية تبعات حقوق وتدريب وتأهيل المواطنين الذين يلتحقون بهذا البرنامج. فتطلب الشركة أو أي مؤسسة أو دائرة حكومية من شخص ما ذي مسؤولية أو شركة خاصة توظيف عدد من الموظفين، مواطنين وغير مواطنين، بمؤهلات معينة من أجل الخدمة لدى صاحب العمل. وتكون رواتب وحقوق الموظف في هذه الحالة من الجهة التي وظفته مباشرة. وهي بدورها تتسلم من المؤسسة مبلغا مقطوعا عن كل موظف. وليس بالضرورة لنا أن نعلم نسبة ما تمنحه للموظف من المبلغ الذي تتسلمه مقابل مسؤوليتها ودورها في التوظيف وتحمل أعباء جميع مكافآت وحقوق الموظف المطلوب. وظاهرة التعامل عن طريق "الأوتسورسنق" تكاد تكون جديدة على مجتمعنا، فهي لم تكن تمارس بهذه الكثافة قبل عقود قليلة، إلا ربما على نطاق ضيق. أما اليوم، فقد توسعت دائرتها وأصبحت أمرا شائعا وعاديا، على الرغم من كثرة سلبياتها وسرعة انتشارها. وفي بعض الحالات، قد يكون "الأوتسورسنق" فيه شيء من الإجحاف بحق المواطن، الذي هو حتما لا يود أن يكون بينه وبين صاحب العمل طرف ثالث يتمتع بقسم من حقوقه الخاصة.
وفي بعض المؤسسات، يعامل موظف "الأوتسورسنق" من الدرجة الثانية، مقارنة بموظفي الشركة المباشرين. فهو لا يتمتع بأي من المميزات الوظيفية التي يتمتع بها الموظف العادي، فيما يتعلق بالتدريب والترفيعات وحقوق نهاية الخدمة والعلاج الطبي، وما إلى ذلك من الأساسيات التي يضمنها نظام العمل أو الخدمة المدنية. وبطبيعة الحال، فإن عدم المساواة بين مواطنين اثنين يقومان بالعمل نفسه وفي مكان وبيئة عمل واحدة، سوف يولد لدى أحدهما نوعا من ردة الفعل غير الإيجابية التي حتما ستؤثر سلبا وبوجه عام في أداء الموظف. وقد تكون أيضا سببا في تولد ضغينة في نفسه، على اعتبار أن ذلك ليس من العدل والإنصاف. وهناك فرق كبير بين أن تطلب موظفين عن طريق "الأوتسورسنق" ليعملوا جنبا إلى جنب مع موظفي الشركة المباشرين، وبين أن يكون العمل ضمن مقاولة إنشاء مرفق من المرافق أو بناء معمل جديد، لها زمن محدود و"اسكوب" معروف. فعلى سبيل المثال، لو أن أي شركة كبيرة لديها مشروع بناء منشأة جديدة، تتطلب إقامتها مهارات وخبرات مختلفة وعشرات المهن، فسوف تجد أنه من غير المجدي اقتصاديا توظيف أعداد كبيرة من المواطنين المؤهلين لزمن قصير وهو فترة التصميم والبناء التي قد لا تستغرق أكثر من بضع سنوات. خصوصا أن بلادنا تكاد تكون خالية تماما من العمالة الفنية المؤهلة الجاهزة للعمل المؤقت في مختلف المهن والفنون. ولذلك فمن المنطق أن تعرض الشركة المعنية المشروع للمناقصة بكامل جوانبه، أو كما يطلقون عليه، على المفتاح. في هذه الحالة لا نرى بأسا من أن المقاول يمارس حقه بتوظيف من يشاء من داخل المملكة وخارجها، تحت مظلة النظام المحلي المعتمد الذي يسري على الجميع.
وأول ما يتبادر إلى الذهن هو أن موظف "الأوتسورسنق" قد لا يشعر بالأمان والاطمئنان الوظيفي المستدام، فتجده معظم الوقت يبحث عن فرص عمل أفضل لدى أي شركة محلية منافسة. وبذلك فسوف يترك العمل متى شاء، وبعدها سيكون المتضرر الأكبر صاحب العمل الذي سوف يستقبل مكانه موظفا جديدا يستغرق تأهيله وتدريبه وقتا طويلا. وهذه الحركة السلبية قد تكون ماديا في مصلحة مؤسسة "الأوتسورسنق" التي عليها تعيين موظف جديد بأدنى راتب. ومن إيجابيات "الأوتسورسنق" القليلة أن الشركات الكبرى التي توظف عن طريق طرف ثالث، تعد بأن تضم إليها نسبة من الموظفين المتميزين أو توصي بترفيع البعض الآخر. ولكن ذلك لا يكفي، فالأفضل أن يكون التوظيف من الأساس مباشرا حتى نضمن الحقوق الكاملة للمواطن، أسوة ببقية زملاء العمل من المواطنين. والمستفيد الأكبر من عملية "الأوتسورسنق" هي شركة التوظيف. فهي تحصل على دخل كبير ومضمون من جهد قليل. ومن الأفضل ألا يترك الوضع على ما هو عليه اليوم من حرية كاملة لصاحب العمل، فلا بد من نظام يحفظ للمواطن مستقبله الوظيفي دون تفريق بين حقوق المواطنين. فإذا كانت الحاجة إلى التوظيف لأكثر من خمس سنوات، على سبيل المثال، وجب أن يتحول الأمر إلى توظيف مباشر ولا يسمح لهم "بالأوتسورسنق". كما نقترح على وزارة العمل والخدمة المدنية أن ينظروا في هذا الموضوع، لعل لديهم حلا أفضل. فكثير من المواطنين الذين يعملون عن طريق توظيف "الأوتسورسنق" غير مرتاحين لوضعهم ولا لمستقبلهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي