الدول العربية والموقف من الأقليات
يبدو أن الأقليات في الدول العربية والشرق الأوسط الكبير برمته تمر بمرحلة حرجة جدا. الدول العربية كلها تقريبا في وضع قلق للفوضى العارمة التي تضرب المنطقة. بيد أن الأقليات في الغالب تتحمل جزءا كبيرا من وطأة الصراع المدمر الذي يدور بين الكبار. والأقلية لا تعني بالضرورة أن المنتمين إليها أقل عددا من مجموع السكان المحيط بهم. الأقلية تعني أن الناس الذين لهم وضع خاص من حيث الدين والمذهب واللون والجنس والعرق والميل يتم استهدافهم لضعفهم بغض النظر عن عددهم ، الأمر الذي يجعلهم عرضة للهجوم من قبل الأقوياء.
إسرائيل، مثلا، دولة صغيرة وإن أخذنا السكان في عين الاعتبار تعد "أقلية عديدة" بالنسبة للمحيط الذي تعيش فيه، إلا أن المحيط الذي تعيش فيها يعد أقلية رغم كثرته العددية وذلك لسطوة وقوة ومتانة الآلة العسكرية والاقتصادية لهذه الدولة.
ولنأخذ جنوب إفريقيا إبان الحكم العنصري Apartheid لأصحاب البشرة البيضاء من الأوروبيين. بضعة ملايين من البيض كانوا يستعبدون عشرات الملايين من الأفارقة أصحاب البشرة السوداء.
إذا الأقلية لا تعني بالضرورة أن المنتمين إليها أقل عددا من الناس المحيطين بهم بل أقل حيلة وأقل بأسا وأكثر ضعفا.
وضع الأقليات في العالم العربي ينطبق عليه مفهوم الأقلية من حيث العدد ومن حيث الضعف وقلة الحيلة. بمعنى آخر، الأقليات في الوطن العربي هي أقليات عديدة ومن ثم من الضعف بمكان حيث في الغالب لا حول ولا قوة لها أمام الضغط والاضطهاد والهجوم الذي تتعرض له من قبل المجموعات التي تملك السلطة والقوة وتسندها بنصوص خارج سياقها وتجعل منها وسيلة لتحقيق غاياتها.
من الصعوبة بمكان تقديم تفسير محدد لما يجري في بعض الدول العربية، وعلى الخصوص التي تمر بمخاض عسير وفراغ في السلطة، أي أنها صارت دولا فاشلة. وإضافة إلى الدول العربية الفاشلة، هناك دول أخرى تعاني ظاهرة الفراغ السياسي بمعنى عدم توافر الشروط التي تجعل الدولة تعمل كمؤسسة متينة صلبة موحدة لمواجهة المخاطر.
والدول العربية ذاتها لها مواقف مختلفة ومتعارضة حول القضايا المصيرية التي تواجهها. والخلاف بين العرب ربما صار حالة مستديمة أو عادية وشائعة إلى درجة أن الناس قد تستغرب إن اتفق العرب وليس إن اختلفوا.
والخلاف لا يقف هناك، وهنا الخطورة. الخلاف هذا ينسحب إلى النظرة إلى الإسلام والنصوص التي يرى المسلمون أنها مقدسة ومن السماء.
من المؤسف حقا، أن يأتي الاعتداء على الأقليات في الوطن العربي باسم هذه النصوص. ومن المؤسف أن ترى بعض الدعاة والشيوخ يتماشون مع تفسير بعض المجموعات العنيفة والإرهابية لنصوص محددة التي في الغالب تؤخذ خارج سياقها، وذلك بالتركيز عليها دون غيرها. كل نص خطاب له أوجه مختلفة من حيث التأويل والتفسير، تنطلق من "الزمنكانية" التي نوجد فيها وقربنا وبعدنا من السلطة والسلاطين.
وكل نص وفي أي دين يراه أصحابه من السماء يدعو، حسب تفسير أصحابه، إلى ممارسة العنف لا بد أن تقابله عشرات النصوص التي تدعو إلى الرحمة والتسامح والمحبة وقبول الآخر المختلف. والنصوص التي تدعو إلى المحبة والتسامح وقبول الآخر كأخ لي في الإنسانية أكثر وضوحا وأكثر عددا وأكثر تأثيرا في الأديان التي يرى أصحابها أنها من السماء.
أخشى أن هناك من يريد خطف النص في الإسلام لأغراضه السياسية ومصالحه. على العرب كمؤسسات ودول وحكومات حرمان هؤلاء أولا من الاتكاء على تفسير أو فقه كان صالحا لزمان مضى وانقضى. النص ثابت بيد أن التفسير والفقه لا بد أن يختلف من حيث "الزمنكانية".
ومن ثم على العرب غرس روح التسامح وقبول الآخر والتركيز على الرحمة والمحبة لأن الاختلاف نعمة وغنى، وهذا ما يؤكده كثير من النصوص.
الهجوم على أبناء وبنات الأقليات وأماكن عبادتها، من أي أقلية كانوا، في العالم العربي لا بد أن يواجه بحزم من قبل الحكومات العربية ومؤسساتها وفي كل الحقول العسكرية والأمنية ومن ثم التربية والتعليم والإعلام. حسنا فعلت الحكومات العربية في إدانتها الشديدة للهجوم الشنيع الأخير على الكنائس في مصر ومقتل الأبرياء بهذا الشكل المرعب والوحشي، بيد أن هذا الموقف المشرف يجب أن تتبعه إجراءات عملية على جميع المستويات لنبذ سياسة الكراهية ورفع أي خطاب يدعو إليها وإحلال محله خطاب ونصوص التسامح والمحبة وقبول الآخر وما أكثرها.
الاعتداء والهجوم على الأقليات كما هو الحال ولا سيما في العقدين الأخيرين سيؤدي إلى خسارة كبيرة. وجود الأقليات ـــــ وكثير منها عربي الأصل والمنشأ أو أنها متشبعة بالثقافة العربية والإسلامية ـــ مهم جدا للعرب والمنطقة. في جميع المراحل التاريخية ومنذ قدوم الإسلام لعبت هذه الأقليات دورا بارزا في الحضارة العربية والإسلامية وتركت بصمات ثقافية وحضارية مؤثرة.
ولن نجافي الحقيقة إن قلنا إن النهضة العربية الحديثة قامت على أكتاف أبناء وبنات هذه الأقليات. الأقليات في الوطن العربي تستحق الحماية وحق المواطنة الكاملة شأنها شأن الغالبية لأن جذورها ضاربة في أعماق حضارة وثقافة هذه المنطقة والدول العربية تقع عليها مسؤولية أخلاقية ووطنية للحفاظ عليها وعلى خصوصية هويتها وثقافتها.