Author

تفعيل عقوبة التشهير .. الشيكات مثالا

|
التعامل مع ظاهرة الشيكات دون رصيد أو ما يسمى الشيكات المرتجعة؛ ويقصد بها الشيكات التي لم يتم صرف قيمتها من قبل المصارف المسحوب عليها، لم تعد كالسابق فرغم أن نظام الأوراق التجارية يعتبر ذلك جريمة ويعاقب عليها إلا أن التراخي في تطبيق القانون أدى إلى ظاهرة اجتاحت قطاع المال والأعمال على مستوى الأفراد والمؤسسات الصغيرة، بل لم تسلم بعض الشركات من الوقوع في سحب شيكات دون رصيد. لقد تبنى مجلس الوزراء تعديلا في نظام الأوراق التجارية بإضافة عقوبة التشهير بمن يحرر شيكا دون رصيد أو يرتكب أي جريمة من جرائم الشيكات بوجه عام، والواقع أن هذه إضافة قوية لمصلحة حماية الشيك، علما بأنه ليست المشكلة في النظام ولكنها في التطبيق الذي لا يرقى إلى مستوى الطموح ومنه تظهر الثغرات التي تحدث عند التنفيذ، ويصبح صاحب الحق تحت رحمة المتلاعب، الذي يماطل في الحضور للدائرة القضائية. وأن إصدار الشيكات دون رصيد أصبح قضية خطيرة تستوجب الوقوف ضدها وحيال مرتكبها لأنها تضييع للحقوق ولأموال الناس وتضييع الثقة والمصداقية بين المتعاملين في السوق؛ فإنها كذلك تشكل معول هدم في جدار المناخ الاستثماري بالمملكة أمام المستثمرين الأجانب. إن الشيك الذي يعتبر أداة وفاء فورية لمبلغ مستحق كان من المفترض أن يدفع لصاحبه فورا أصبح أداة تلاعب؛ لأن الإجراءات التي تردع عن ارتكاب جريمة تحرير الشيك المرتجع غير مطبقة على الرغم من وجودها وكفايتها، وأصبحت أجواء الثقة في السوق شبه معدومة خصوصا بالنسبة لقبول الشيك، وصار التأكد من وجود الرصيد وسحب المبلغ المستحق يسبق إتمام أي صفقة أو عملية سداد لمبالغ مستحقة. وأن استعادة الثقة بالشيك تستلزم تطبيق النظام بشكل صارم ودون أي تباطؤ وعن طريق جهة تنفيذية، لأن التساهل في هذه القضية تكون له تداعيات خطيرة على مختلف الأنظمة والقوانين التجارية والمعاملات المالية. لقد بادر مجلس الوزراء إلى ضرورة إعادة تنظيم جهود الحكومة لمكافحة الفساد، فوضع الاستراتيجية الوطنية وأنشأ الهيئة وأصدر التعليمات المنظمة لتضافر الجهود وفرض تعاون الهيئة مع الجهات الرقابية والجهات ذات الاختصاص، لإدراج نصوص قانونية تتضمن عقوبة التشهير بالفاسدين في جميع الأنظمة المتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد، مع مطالبة الجهات الحكومية بعدم التأخر في الرد على استفسارات الهيئة وتحديد الموظف المتسبب في التأخير، حيث صدرت أوامر ملكية بتقديم الموظف المتسبب للتحقيق ومعاقبته، حيث لا تزال الهيئة تعاني عقوبات وصعوبات وبطئا في التعاون مع الجهات الحكومية، والتأخر في إجابة الهيئة عما تطلبه من معلومات أو وثائق، ولوح بوجود عقوبات ومخالفات بحق هذه الجهات من المقام السامي. إن مجال تنفيذ المشاريع والخدمات المباشرة للمواطنين هما مركز الثقل في مكافحة الفساد، وتقوم الهيئة في هذين المجالين بتقديم المتهمين بممارسات الفساد من إهمال، وتأخير، وسوء تنفيذ، وإساءة استخدام المال العام، واستغلال السلطة الوظيفية، إلى جهات التحقيق والعدالة، وتستعين الهيئة في ذلك بالمواطنين لإبلاغها عما يلاحظونه من ممارسات الفساد، والإهمال، وإساءة استخدام السلطة في الخدمات التي تقدم إليهم، وتعتبر الهيئة أن كل عمل من شأنه الانحراف بالوظيفة في القطاعين العام والخاص، عن مسارها الشرعي والنظامي الذي وجدت لخدمته، فسادا وجريمة تستوجب العقاب. إن صدور قانون بصلاحية الهيئة في التشهير بالفاسدين خطوة نحو إعطاء الهيئة مزيدا من القدرة على تفعيل دورها في تحقيق الردع الفوري لكل موظف حكومي أو في القطاع الخاص أو متعاقد مع الجهات الحكومية، وهناك إدارة مختصة ومتخصصة في تطوير الأنظمة واللوائح في هيئة مكافحة الفساد، مهمتها المساعدة القانونية على تشخيص الفساد وبحث أوجه القصور في تطبيق بعض الأنظمة، ما يؤدي إلى وجود الفساد، ومن أوجه القصور البطء الشديد في نظر قضايا الفساد، فالهيئة لا تقل معاناة عن المجتمع رغم جهود السلطة القضائية، ولكن هذا التأخير له آثاره ومنها فقدان الثقة بالجهات التي تحاسب وتقاضي. والحل من وجهة نظر "نزاهة" أن يتم إنشاء قضاء خاص بالفساد سواء في جانب التحقيق أو إقرار العقوبات، أو أن يكون هذا القضاء دوائر متخصصة داخل السلطة القضائية لضمان السرعة والفاعلية والتغلب على التراخي في مكافحة الفساد. لقد جربت "نزاهة" أن بعض الإجراءات غير فاعلة مثل إيقاف الخدمات عن المتهمين، وبدأت في البحث عن بدائل ومنها المنع من السفر والحجز على الأموال والتشهير بعد المحاكمة متى نص الحكم على ذلك، لأن التشهير عقوبة معنوية، وستقف "نزاهة" كل يوم على حقيقة جديدة تكشف لها صعوبة التعامل مع ملفات الفساد في جانب المساءلة اللاحقة، أما الوقاية السابقة فهي أكثر صعوبة، فالواقع يشير إلى أن "نزاهة" تعاني عدم تجاوب بعض الأجهزة الحكومية في تطبيق الأنظمة وفي التزويد بالمعلومات اللازمة للتحقيق، والأهم استمرار وجود مسافة لا تتناقص أبدا وهي البعد عن الشفافية في معالجة فشل المشاريع ومنع تكراره.
إنشرها