طاولة طعام
في أحد اللقاءات الاجتماعية اقتربت مني وهي تداري خجلها وتكاد الكلمات تتعثر فوق شفتيها وبصوت هامس قالت لي: أنا أعاني مشكلة كبيرة جدا وبسببها أصبح كثيرون من أقاربي يعتقدون أني لا أرغب في التواصل معهم ودعوتهم إلى منزلي. سألتها بفضول وما المشكلة؟ أجابتني: جميع أقاربي حين نتزاور بيننا يضع كل منهم مأدبة الغداء أو العشاء على طاولة طعام فخمة، وأنا للأسف لا تسمح ظروف زوجي المادية بشراء طاولة طعام تضاهي تلك التي يمتلكها معظم أقاربي ولا مساحة منزلي أيضا تسمح بذلك!
أجبتها: عزيزتي إن كانت معرفتك بأنني أنا شخصيا لا أمتلك طاولة طعام ستدخل شيئا من الارتياح لنفسك، فاعلمي أنه ليست لدي طاولة طعام، ورغم ذلك أدعو الآخرين إلى منزلي سواء من أقاربي أو معارفي أو شخصيات نسائية مرموقة، ولا يكاد يمر شهر دون مناسبة عشاء وغداء، ولم أخجل يوما من ذلك لسبب بسيط: أني أمتلك قناعة شخصية بأن الجلوس على الأرض أفضل، ولا أتخيل نفسي يوما أضع طاولة طعام للضيوف!
يا سيدتي إن كان هذا يريحك أيضا فالشعب الياباني أكثر شعوب الأرض تطورا وتحضرا ما زال متمسكا بعاداته ومنها تناول الطعام على الأرض في جميع مناسباته وأنشطة حياته اليومية كالوجبات، وحفلات الشاي، وكل الأحداث التقليدية. فكوني مميزة واكسري حاجز الخجل واحتفلي بضيوفك وأشعريهم بدفء منزلك وروحك الجميلة، ولا تحرمي نفسك من روعة التواصل مع الآخرين ولا تجعلي نفسك صورة طبق الأصل من أحد آخر!
لا أكتمك سرا قارئي العزيز فقد أصبت بخيبة أمل من سطحية التفكير التي ضربت أطنابها في عقول كثير من أفراد المجتمع حتى أصبحت الشكليات والمظاهر تشكل إحدى العقبات التي قد تتسبب في تنغيص حياتنا وإثارة النكد والهم والغم فيها وكأن أحداث هذا العصر لا تكفي!
لماذا نتهافت على تقليد الآخرين دون أن نتوقف لنسأل أنفسنا: أين بصمة شخصياتنا المميزة في الأمور التي نقوم بها ؟! وهل ما نفعله من تغيير في حياتنا ناتج عن قناعاتنا أم من الرغبة في تقليد الغير ومجاراتهم؟ ولماذا يصر البعض على أن يكون استنساخا من فلان وعلان؟!
هذا "الهوس" بالتقليد حتى لا نكون أقل في نظر الآخرين سيدفعنا نحو التكلف وتحميل النفس ما لا تطيق وهذا في حد ذاته سيتسبب في الإحباط والتعاسة ومزيد من التعاسة في حياتنا. فلنعد التفكير في كثير من الأمور ولنعش حياتنا كما نحبها ونراها لا كما يحبها الآخرون!
وخزة
يقول شوبنهاور (نحن نتخلى عن ثلاثة أرباع أنفسنا، لكي نصبح مثل الآخرين).