المدرسة الصولتية.. قرن ونصف القرن من التعليم في أم القرى
لم تكن المدرسة الصولتية هي الأولى في مكة المكرمة إلا أنها هي الباقية إلى الآن فهي أقدم مدرسة في مكة المكرمة ويعود الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في تأسيسها إلى الشيخ محمد بن خليل الكيرانوي الذي قدم إلى مكة المكرمة عام 1274هـ بعد أن ضيقت عليه الحكومة الإنجليزية في الهند وحثت على إلقاء القبض عليه إثر جهاده ضدهم. وحينما قدم إلى مكة المكرمة منح إجازة التدريس في الحرم ورأى الشيخ الكيرانوي أن الدراسة في الحرم لا تفي بالغرض كما أنها غير منتظمة فهي لا تسير وفق خطط ومناهج لذا قرر تأسيس مدرسة بمكة المكرمة تحقق طموحاته فافتتح مدرسته عام 1285هـ في محيط الحرم وناشد الميسورين للتبرع فقدم أحد أثرياء الهند دارا للمدرسة في حارة الشامية ثم لما قدمت السيدة صولت النساء للحج عام 1289هـ، عرض الشيخ على زوج ابنتها مقترحة رعايتها للمدرسة لأن مكة المكرمة في حاجة إلى المدارس أكثر من حاجتها إلى الأربطة وغيرها من الأعمال الخيرية فسرت السيدة صولت النساء بالفكرة فاشترت أرضا بالقرب من جبل الخندريسية، كما قدمت مبلغ ألف جنيه أفرنجي فشرع الشيخ ـــ رحمه الله ـــ في بناء المدرسة وذلك بوضع الأساس في 15 شعبان 1290هـ حتى اكتمل البناء في 14 شعبان 1291هـ فانتقل طلاب المدرسة إلى المبنى الجديد. وعرفانا من المؤسس بما قدمته السيدة صولت النساء من دعم قرر أن يطلق على المدرسة اسم المدرسة الصولتية.
وبقيت المدرسة تؤدي دورها المطلوب في المبنى المشيد عام 1291هـ إلى أن انتقلت إلى مبناها الجديد عام 1346هـ نظرا لكثرة الطلاب.
وسارت الدراسة في المدرسة الصولتية في مرحلتها الأولى وهي مرحلة التأسيس على اتباع نظام الحلقات الدراسية كما اعتمدت كتبا معينة لكل مادة وجعلت الدراسة على أربع مراحل يدرس الطالب في المرحلة الأولى القرآن الكريم والخط والقراءة والفقه والحساب والإملاء والنحو والصرف، وفي المرحلة الثانية يدرس الفقه وأصول الفقه والنحو والصرف والبلاغة ومبادئ المنطق والحساب والخط وفي المرحلة الثالثة يدرس التفسير والفقه والحديث وأصول الفقه والنحو والبلاغة والمنطق والفلسفة والحساب والأدب وأصول الحديث والتاريخ وعلم المواريث، ويدرس في المرحلة الرابعة التفسير وأصول الفقه والحديث والفقه والمنطق والفلسفة والفلك والمناظرة والتاريخ والأدب على أن يقرر لكل مادة كتبا تنتهي المرحلة بإنهاء الكتب بأكملها، لذا تتفاوت في هذه الفترة مدة كل مرحلة لكل طالب.
ثم اعتمدت المدرسة في مرحلتها الثانية من عام 1325هـ على السنوات واستبدلت الفصول بالحلقات وقسمت الدراسة على أربع مراحل وهي المرحلة التحضيرية ومدتها ثلاث سنوات ثم المرحلة الابتدائية ومدتها أربع سنوات ثم المرحلة الثانوية ومدتها أربع سنوات أيضا ثم المرحلة العالية ومدتها سنتين ويدرس الطالب في المراحل الأربع 25 مادة وهي: القرآن الكريم، والتفسير، والحديث، والتوحيد، والفقه الحنفي، والفقه الشافعي، وأصول الحديث، وأصول الفقه، والمواريث، والأخلاق، والتاريخ، وعلوم المعاني والبديع والبيان، والأدب، والمنطق، والحكمة، والهيئة، والميقات، والجبر، والمساحة، والحساب، والهندسة، والعروض والنحو والصرف والخط والإملاء.
وتشير الوثائق المحفوظة في المدرسة إلى أن عدد المدرسين عام 1290هـ ستة معلمين فقط ووصل في عام 1312هـ إلى عشرة مدرسين وفي عام 1330هـ إلى 14 مدرسا، ويذكر أن الشيخ محمد يوسف حيدر آبادي من مدرسي المرحلة الأولى للمدرسة قرر له شهريا كراتب معلم أول في المدرسة مبلغ سبعة ريالات.
وقد بلغ عدد الطلاب عام 1328هـ 182 طالبا إلى وصل إلى 518 طالبا سنة 1331هـ ومن أشهر خريجي المدرسة الصولتية الشيخ أحمد ناضرين، والشيخ يحيى أمان، والشيخ حسن المشاط، والشيخ عبد الله سراج، والشيخ أسد الله الكاظمي، والشيخ محمد علوي مالكي.
وبقي الشيخ ــ رحمه الله ـــ مؤسس المدرسة مديرا للمدرسة منذ تأسيسها إلى 22 رمضان 1308هـ، فخلفه الشيخ محمد سعيد بن محمد صديق إلى 17 ذي القعدة 1357هـ.
ومما هو جدير بالذكر رعاية ودعم الملك عبد العزيز للمدرسة أثناء دخوله الحجاز عام 1343هـ فقد زار المدرسة في 29 جمادى الآخرة 1344هـ، وأشاد بما تقوم به المدرسة فقال في نهاية الزيارة: "إن الصولتية هي الجامع الأزهر في بلادي"، ثم سجل كلمة في سجل زوار المدرسة.
هذا، وقد أسند إلى مديرية المعارف عام 1344هـ الإشراف على المدرسة الصولتية باعتبارها إحدى المدارس الأهلية في مكة المكرمة إلى عام 1373هـ حيث حولت المديرية إلى وزارة.