طفل مزعج في الطائرة

هطلت دموع الطفل قبل أن ترفع الطائرة أقدامها من على الأرض. دموعه امتزجت بصراخ متواصل. حاول أبواه تهدئته بلا جدوى. ارتفع عويل الطفل بعد أن مخرت الطائرة عباب السماء. عبّر جاري في الطائرة عن امتعاضه من سلبية الأبوين اللذين يجلسان أمامنا تجاه بكاء ابنهما. تأفف محتجا بصوت عال حتى يسمعه الوالدان. واصل الأبوان محاولتهما لإسكات طفلهما الذي يبدو أنه في الرابعة من عمره بلا نجاح. هنا تدخل جاري. خلع حزام مقعده وصبره نفد. نهض منفعلا من كرسيه. توجه إلى مقعد أبي الطفل قائلا: "لدي رحلة عمل مهمة. لم أنم منذ فترة طويلة. أحتاج إلى أن أغفو قليلا. أنت وولدك أفسدتما كل شيء. إذا لا تستطيعون تربية الأبناء فلماذا تنجبون". اعتقدت أن هذا الهجوم الشرس سيشعل معركة بالأيدي بينهما. لكن فاجأني أب الطفل بحكمته. رد عليه بتؤدة ورفق قائلا: "سامحني. حاولت أن أهدئ طفلي لكن لم أنجح. ابني مصاب بمرض (التوحد). لا أستطيع السيطرة عليه خاصة في الأماكن العامة. ادع له بالشفاء حتى لا يزعجك ولا يزعج الركاب مستقبلا".
اعتذر منه المسافر المنفعل، وقال: "اعذرني لم أعلم عن مرض ابنك".
شخصيا، تعلمت كثيرا من هذا الموقف. وأهم درس ألا أبني مواقفي على الظواهر. أتروى كثيرا، وأضع ألف عذر للآخرين تيمنا بالصحابة رضي الله عنهم.
جعلني هذا الموقف أدرك أن وراء بكاء وانفعال أي طفل قصة أجهلها. فلا ألوم أبويه أو أدينهما، فهما أشد حرصا وحرجا إثر ظروف طفلهما.
فور أن سردت هذا الموقف الذي شاهدته أمامي عبر حسابي في تطبيق (السنابتشات) لعرض الفيديوهات القصيرة هطلت علي عشرات المواقف من الآباء والأمهات. سأضع لكم أحدها:
تقول ليلى: "كنت في البداية أخرج مع ابني التوحدي في المطاعم والمقاهي ومدن الألعاب حتى لا أسجنه في المنزل ويتمتع بطفولته. المشكلة أنني عانيت نظرات الناس الحادة تجاهي وتجاهه، التي تقول لي كلاما يكاد يفقع طبلة أذني وقلبي. لا أنسى امرأة تركت لي ورقة على طاولتي في مطعم، قالت فيها: أنتِ أم فاشلة لا تعرفين التعامل مع طفلك". وختمت الأخت ليلى رسالتها قائلة: "بعدها أضربت عن الخروج مع طفلي خارج المنزل وازداد وضعه سوءا".
نحن نرتكب حماقة تجاه أبناء مجتمعنا بأنانيتنا ونظراتنا وعدم إنسانيتنا. علينا أن نعيد حساباتنا ونساعد بعضنا لغد أجمل. غد نحسن الظن فيه تجاه الآخرين. إذا لم نساعدهم على الأقل فلا نعاقبهم بسلوكنا وردود أفعالنا ونظراتنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي