مفاعل الاندماج النووي «توكاماك»

"توكاماك" هو نظام الاحتجاز المغناطيسي الأكثر تطورا، وهو الأساس الذي يقوم عليه تصميم مفاعلات الاندماج المستقبلية التي تستخدم الاحتجاز المغناطيسي. و"توكاماك" عبارة عن آلة تجريبية تهدف إلى تسخير طاقة الاندماج. حيث يتم داخل "توكاماك" امتصاص الطاقة الناتجة من اندماج الذرات في شكل حرارة في جدران أوعية الضغط. ومثلها مثل محطة الطاقة التقليدية تقوم محطة طاقة الاندماج باستخدام هذه الحرارة في إنتاج البخار ثم الكهرباء عن طريق التوربينات والمولدات الكهربائية.
ويقع في قلب "توكاماك" الغرفة المفرغة الحلقية. وفي الداخل ـــ وتحت تأثير الحرارة والضغط الشديدين ـــ يتحول وقود الهيدروجين الغازي إلى البلازما وهي بعينها البيئة التي تستطيع فيها ذرات الهيدروجين أن تندمج وتنتج الطاقة. ويمكن تشكيل الجسيمات المشحونة من البلازما والتحكم فيها عن طريق ملفات مغناطيسية ضخمة موضوعة في جميع أنحاء وعاء الضغط؛ ويستخدم علماء الفيزياء هذه الخاصية المهمة لاحتجاز البلازما الساخنة بعيدا عن جدران الأوعية. وقد تم اشتقاق مصطلح "توكاماك" من اختصار روسي لجملة "غرفة حلقية مزودة بملفات مغناطيسية".
ويمكن لأشعة الميكروويف والكهرباء وأشعة الجسيمات المحايدة الناتجة عن مسرعات الجسيمات تسخين تيار من غاز الهيدروجين، ومن ثم تحويل الغاز إلى بلازما. بعد ذلك تتعرض هذه البلازما للانضغاط بواسطة مغناطيس فائق الموصلية، ما يسمح بحدوث الاندماج. وأكثر الأشكال كفاءة بالنسبة للبلازما المحتجزة مغناطيسيا هو شكل الأسطوانة الدائرية "الشكل الحلقي".
ويطلق على المفاعل المصمم بهذا الشكل "توكاماك". ومنذ تطويره لأول مرة عن طريق الأبحاث السوفياتية في أواخر ستينيات القرن الماضي تم اعتماد "توكاماك" في جميع أنحاء العالم كأكثر أجهزة الدمج المغناطيسي الواعدة. وهو عبارة عن جهاز يستخدم حقلا مغناطيسيا قويا لاحتجاز البلازما في شكل حقلي. ويتطلب تحقيق توازن مستقر للبلازما تحرك خطوط المجال المغناطيسي حول الشكل الحلقي بطريقة حلزونية. ويمكن توليد هذا الحقل الحلزوني عن طريق إضافة حقل حلقي (حركة دائرية متواصلة حول الشكل الحلقي) وحقل قطبي (حركة دائرية متعامدة على الحقل الحلقي). ويتم إنتاج الحقل الحلقي في "توكاماك" عن طريق المغناطيسات الكهربائية التي تحيط بالشكل الحلقي، ويتكون المجال القطبي نتيجة لتدفق تيار كهربائي حلقي في البلازما. ويتم حث هذا التيار داخل البلازما عبر مجموعة أخرى من المغناطيسات الكهربائية.
و"توكاماك" أحد أنواع أجهزة الاحتجاز المغناطيسي، وأحد الخيارات التي خضعت لكثير من الدراسة بغرض إنتاج طاقة اندماج نووي حراري يمكن التحكم فيها. وتستخدم الحقول المغناطيسية في الاحتجاز لأنه لا يمكن لأي مادة صلبة تحمل درجة حرارة البلازما المرتفعة جدا. ومن الأجهزة البديلة لـ "توكاماك" مفاعل المولد النجمي stellarator. وأكبر مشروع "توكاماك" في العالم هو المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي ITER إذ يجري بناؤه في سانت بول ليه دورانس جنوب فرنسا، ومن المقرر أن يبدأ تشغيله في عام 2020، ومن المتوقع أن يولد ناتج طاقة تبلغ 500 ميجاواط.
ومن عيوب فكرة عمل "توكاماك" أنه لابد أن يعمل في وضعية نابضة. وذلك لأن تيار البلازما يتم حثه عن طريق زيادة التيار في الملفات القطبية، وبمجرد وصول التيار إلى قمته القصوى يتوقف الحث وبالتالي يتوقف النبض. علاوة على ذلك يحتاج توكاماك إلى مجالات حلقية قوية جدا، كما أن تدفق التيارات القوية في الملفات المغناطيسية يولد الكثير من الحرارة. ويعد المفاعل الحلقي الأوروبي المشترك الموجود في مركز كولهام لطاقة الاندماج أكبر وأقوى "توكاماك" عامل حاليا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي