اتفاقية باريس وتحول الصناعة النفطية

مع دخول اتفاقية باريس المناخية حيز التنفيذ قبل نحو أسبوعين، انضمت السعودية إلى الدول الموقعة على الاتفاقية، التي ستعمل على تقليص ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى ما دون درجتين مئويتين. الاتفاقية تستهدف الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون، والمتهم الأساس في انبعاثات هذا الغاز هو الوقود الأحفوري من نفط وغاز. وهو الأمر الذي طالما جعل من الدول النفطية عدوا تقليديا لقمم واتفاقيات مكافحة الاحتباس الحراري. فكان انضمام السعودية إلى اتفاقية باريس بمنزلة التأكيد على دور الدول النفطية المحوري لضمان الحد من التبعات السلبية للتغير المناخي. فقد أكدت السعودية في "رؤيتها 2030" عزمها على بناء اقتصاد فاعل ومستدام. ودعامة هذا الاقتصاد المستدام لا بد أن تستند إلى مزيج طاقة مستدام ونظيف، فلا يمكن أن يتحول الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد منتج غير معتمد على النفط بينما تحرق ما يقارب ثلاثة ملايين برميل نفط مكافئ يوميا لتوليد الطاقة. فكان التخطيط لرفع كفاءة إنتاج واستهلاك الطاقة، إضافة إلى اعتماد مصادر متجددة ومنخفضة الانبعاثات.
ومع إجماع دول العالم على ضرورة اعتماد مصادر الطاقة المتجددة ودعمها، وظهور جيل متطور من السيارات الكهربائية، عادت نظرية ذروة النفط للواجهات الإعلامية، ولكن الذروة هذه المرة على جانب الطلب. خصوصا مع تأكيد الاتفاقيات المناخية عدم إمكانية استخراج نحو ثلثي المخزون العالمي من النفط وكذلك نصف المخزون العالمي من الغاز الطبيعي لتحقيق أهدافها الرامية إلى الحد من التغير المناخي. الأمر الذي غذى شائعات غريبة تسري بأن السعودية والدول النفطية داخل "أوبك" وخارجها تعمل على الإنتاج بالطاقة القصوى لبيع ما يمكن بيعه من النفط قبل الاستغناء عنه. وأن هذا السبب نفسه وراء عزم السعودية على بيع حصة 5 في المائة من "أرامكو". عدم منطقية هذه الآراء يكمن في الحجم الهائل للصناعة النفطية ومدى اعتماد الاقتصاد العالمي عليها. فلا يمكن تحييدها كصناعة واستثمارات دون وقوع صدمة اقتصادية تضر كل سكان المعمورة. فلا يمكن إنهاء دور هذه الصناعة أو العمل على تحجيمها، إنما يجب إيجاد دور جديد لها في الحفاظ على مناخ الأرض.
شركات النفط العالمية بدأت في الاستثمار في صناديق لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة، ولكن يبقى للنفط والغاز دور في عملية التغيير. فالوقود الأحفوري التقليدي سيبقى مصدرا أنظف للطاقة من الغاز الصخري والنفط الرملي. وهو بالتالي ما سيمول ويبني القاعدة للبنية التحتية الجديدة من مولدات مزيج الطاقة النظيفة. إضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز الاستثمار في البحث والتطوير في مجال البتروكيماويات لتصنيع منتجات بديلة نظيفة، يمكن الاستعاضة بها عن الأسمنت وحديد التسليح والألمنيوم خصوصا في مجال البناء. فكما أن محركات الاحتراق الداخلي تطلق ثلثي كمية ثاني أكسيد الكربون إلى الهواء، فإن المباني السكنية والمواد المستخدمة في تشييدها تطلق الثلث الباقي. وبالتالي تبقى احتياطياتنا النفطية التقليدية موردا أساسا للاقتصاد العالمي حتى وإن انخفضت حصة الوقود الأحفوري في مزيج توليد الطاقة مستقبلا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي