بعد 30 عاما من رحيله .. كاتبة تعيد قراءة سيرة مؤسس المسرح والسينما المصرية

بعد 30 عاما من رحيله .. كاتبة تعيد قراءة سيرة مؤسس المسرح والسينما المصرية
حاول يوسف وهبي إنشاء أول مدينة للفنون في الشرق الأوسط ولكنه لم يوفق.

رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على وفاته، يبدو أن الفنان المصري يوسف وهبي مثل معين لا ينضب ينهل منه كل باحث في الفن ومتذوق وهاو، ما أغرى الإعلامية والكاتبة المصرية راوية راشد بإعادة قراءة سيرته بشيء من الفحص والدراسة في مزج مستحب بين مذكراته الشخصية ومراجع ووثائق تحدثت عنه.
جاء كتاب "يوسف وهبي.. سنوات المجد والدموع" الصادر عن دار الشرق في القاهرة في 231 صفحة من القطع الكبير ومرفق به ملحق للصور في نحو 20 صفحة أخرى.
في الكتاب تبدأ المؤلفة من الجذور والنشأة وتروي كيف نبت حب المسرح في نفس الطفل "يوسف" ابن السابعة عندما زارت فرقة فنية جوالة المدينة التي كان يعيش فيها مع والده المهندس الزراعي الذي تعلم في إنجلترا وصار لدى عودته كبير مفتشي الري.
وتأخذنا بعد ذلك إلى القاهرة في مطلع القرن العشرين، حيث تعرف يوسف وهبي على صديق عمره محمد كريم - الذي صار لاحقا مخرجا شهيرا وأول عميد للمعهد العالي للسينما في مصر - وجولاتهما معا في المساء في المسارح والمقاهي.
وبرشاقة وأسلوب سردي مشوق تسافر بنا المؤلفة من القاهرة إلى إيطاليا حيث رحلة تعلم يوسف وهبي المسرح واقترانه بزوجته الأولى الأمريكية لويز لاند، التي عاد معها إلى القاهرة وأسسا معا مسرح رمسيس.
يدلف القارئ خلف كواليس مسرح رمسيس الذي تأسس في 1923 ويتعرف على ممثليه وعماله كأنه يراهم ويتعرف على قيم وأخلاقيات وقواعد المسرح العربي الذي أرساها يوسف وهبي مع تأسيس المسرح وكذلك حجم وشكل المنافسة آنذاك بين الفرق المسرحية في بانوراما مدهشة لعصر قد لا يكون حظي بالقدر الكافي من التأمل من الكتاب والنقاد والمؤرخين.
الكتاب وثيقة مهمة تعتمد على مذكرات عدد من الفنانين الذين عاصروا يوسف وهبي "1896-1982" وتحدثوا عنه، ولا تكتفي المؤلفة بالمذكرات بل تقرنها بما نشر في وسائل الإعلام والصحف من نقد وتعليق وتربطها في حكاية مشوقة.
لم يكتف يوسف وهبي بالتمثيل والإخراج والتأليف والإنتاج والترجمة، بل أخذه الحلم إلى فكرة إنشاء أول مدينة للفنون في الشرق الأوسط، التي لو كان كتب لها النجاح لغيرت مسار التاريخ الفني العربي.
تقول المؤلفة "تعود قصة مدينة رمسيس للفنون إلى رغبة يوسف وهبي في إقامة مشروع كبير يجمع كل الفنون في مكان واحد في مدينة كبيرة يسميها "مدينة رمسيس للفنون" تكون صرحا فنيا يضم قاعات للمسرح والسينما ومدينة للألعاب والملاهي واستديوهات تصوير ومعامل تحميض، وكانت الفكرة قد سيطرت على عقله ما بين عامي 1933 و1934 وبدأ التخطيط لها لدرجة أنه كان يقضي ساعات طويلة مع كبار المهندسين الإيطاليين ليعد الخرائط والتصاميم من أجل تحقيق حلمه".
وتضيف قائلة "كانت فكرة إنشاء مدينة للفنون فكرة جديدة تماما في الثلاثينات، فلم يسبقه إليها أحد في العالم حتى والت ديزني نفسه الذي أقام بعد ذلك مشروعا مماثلا في ولاية كاليفورنيا في الخمسينات وأصبحت أهم مدينة ملاهي في العالم ديزني لاند".
وبقدر الطموح والأمل كان الانكسار والألم، فلم يكتب لمشروع المدينة أن يكتمل، وربما تشير المؤلفة لو بشكل غير مباشر إلى أن نزوات يوسف وهبي وطبيعته كفنان يكره الروتين ويبحث عن الحرية هي التي تسببت في نشوب خلافات بينه وبين زوجته الثانية عائشة فهمي، الممولة الرئيسية لمشروع المدينة وانفصالهما، وغرقه في الديون وإشهار إفلاسه.
لكن الكتاب لا ينضب من المفاجآت الجديرة فعلا بالتأمل. فبعد هذه الكبوة الخطيرة في حياته يعود يوسف وهبي من جديد ويتخذ السينما مسارا جديدا له، فمثل وأخرج 150 فيلما حتى وفاته.
مد يوسف وهبي يد المساعدة إلى كثير من الوجوه الجديدة وفتح أبواب الشهرة أمام فنانين أصبحوا بعد ذلك من نجوم السينما والمسرح، من بينهم تلميذته النجيبة أمينة رزق، التي ظلت تحفظ له الجميل، وتذكر أفضاله عليها حتى وفاتها في 2003. لكن هذا الدور لم يكن من خلال مسرحه وشركة إنتاجه فحسب، بل اتخذ شكلا رسميا تمثل في دفعه لتأسيس أول كيان نقابي قانوني، يجمع تحت مظلته الفنانين والعاملين في هذا المجال.

الأكثر قراءة