المعري ودراويش زمانه
أبو العلاء المعري، أحمد بن عبدالله بن سليمان التنوخي، من أهل معرة النعمان في سورية، حكيم الشعراء، وشاعر الحكماء، يُعد في الطبقة الأولى من الشعراء والفلاسفة والحكماء وعلماء اللغة. ولد سنة 363هـ، وتوفي عام 449هـ، وله مؤلفات كثيرة تدل على سعة علمه.
كانت بدايات التصوف عند المسلمين قائمة على الزهد وسمو النفس وتهذيب السلوك، وكلها أمور محببة من صميم الإسلام، إلا أن كثيرا من المتصوفة انحرفوا بعد ذلك وأدخلوا في الإسلام ما ليس منه من أفكار وسلوكيات، ومن بينها قولهم بالحلول والاتحاد، وهي من الأفكار التي يرفضها علماء المسلمين، ومن بينها أيضا تلك الرقصات التي يقومون بها ويزعمون أنها عبادة لله، وقد رد عليهم كثير من علماء الإسلام في مؤلفات ورسائل معروفة. وقد أغضبت أفكارهم وسلوكياتهم هذه الشاعر الفيلسوف أبا العلاء المعري فهجاهم في شعره. ذكر ياقوت الحموي في كتابه "معجم الأدباء" بيتين من الشعر للمعري تدل على موقفه من هؤلاء الدراويش، وهذا نصه: "قال أبو الهبارية: أنشدني أبو زكريا الخطيب التبريزي قال: أنشدني أبو العلاء، أحمد بن عبدالله بن سليمان المعري لنفسه:
أرى جيل التصوف شر جيل
فقل لهم وأهون بالحلول
أقال الله حين عبدتموه
كلوا أكل البهائم وارقصوا لي"
وهناك من ينسب البيتين لغير أبي العلاء، فقد ذكر ابن شاكر الكتبي في "وفيات الوفيات" أن شاعرا اسمه الظاهر الجزري قالهما في نقد هذا النوع من المتصوفة، وقد نسبهما له ابن شاكر الكتبي، وهذا الشاعر معاصر للمعري، كما وردت في "بغية الطلب في تاريخ حلب" لابن العديم منسوبة للجزري هذا.
وقد اشتهر هذان البيتان واستشهد بهما عدد من العلماء للرد على هؤلاء الدراويش الغلاة، والسخرية من تصرفاتهم الغريبة التي يدعون بها عبادة الله.
وسبق لنا في هذه الصفحة أن أوردنا موضوعا كاملا عن تاريخ الدراويش ونشأتهم.