«باربي» و«فلة».. خلاصة تجارب لصناعة الدمى منذ مئات السنين

«باربي» و«فلة».. خلاصة تجارب لصناعة الدمى منذ مئات السنين
منذ القديم كانت المرأة هي الموضوع الرئيس للتعبير عن رؤى الإنسان.

لم تكن الدمية باربي أو الدمية فلة وليدة يوم وليلة، بل إنها ومثيلتها نتاج تطورات ومحاولات متعددة لمحاكاة الإنسان واكتشافه لنفسه، حيث سعى منذ القدم إلى اكتشاف ذاته بصور شتى، بدأت الرسومات والمنحوتات ومرت بأساليب متعددة لتقارب الهيئة العامة للإنسان، وما إن أطل القرن العشرون حتى تبدلت السبل والأشكال التعبيرية، وبعد أن تم التحفظ على الطرق القديمة، شقت أشكال أخرى طريقها إلى الحياة.
وكانت المرأة هي الموضوع الرئيس للتعبير عن رؤى الإنسان ومشاعره حيال الحياة، وللمرء أن يجد ذلك في أساطير وميثولوجيا الشعوب، كانت عشتار هي السيدة التي تسيدت تاريخا قديما في مناطق معينة، في الوقت الذي كان للشعوب الأخرى سيادتها أيضا، وإذا سلمنا بالقول "لكل عصر رجاله"، فمشروع لنا القول "لكل عصر نساؤه".
وفي العشرينيات من القرن الماضي صنع أوسكار كوكوشكا الرسام والفنان النمساوي لنفسه دمية، في تلك الفترة كان كوكوشكا يعيش في مدينة درسدن، وكان قد قطع علاقة مع زوجته دامت ثلاث سنوات مع ألما ماهلر، قيل إن كوكوشكا من خلال صنعه للدمية قصد أن يحصل على "نسخة حقيقية وبالحجم الكامل" لمحبوبته المهجورة، كلف كوكوشكا خياط في أن يصنع لها النموذج، واشترى لدميته ملابس كاملة من باريس.
من الواضح أن كوكوشكا أراد الدمية في عقله الباطن بالطريقة ذاتها التي رغبت فيها زوجته، دون أن يكلفه ذلك عناء وآلام الوقوع في الحب مرة أخرى، وكان تركيز كوكوشكا على الملابس الباريسية يعكس حقيقة مفادها أن الإنسان وبدافع حب التملك والأنا يريد دائما أن يحتفظ بما هو له أي ملكيته الخاصة بغض النظر إذا كانت تلك الملكية" شيئاً أم إنساناً، فيما كان السبب الآخر يكمن في أنه أراد أن يطور ويحسن في النسخة الدمية، وأن يضع لمساته هو بالطريقة التي يريد دون أن يكون هناك من ممانع أو رافض.
أراد كوكوشكا الدمية بديلاً شكلياً يستطيع التلاعب به أنى شاء، ويتأكد هذا عندما نعرف أنهما كانا على خلاف دائم في الفترة الأخيرة من علاقتهما.
كتب كوكوشكا عندما اكتمل صنع الدمية ووصلت محزمة إلى بيته في صندوق خشبي قائلاً: "كنت كمن أصابته حمى أنتظر بفارغ الصبر وصولها، كنت مثل أورفيوس وهو ينادي أيوروديس من أعماق الأرض، نزعت ما حزم منها، ورفعتها إلى ضوء النهار، وسرعان ما بعثت صورتها التي احتفظت بها طيلة فترة انفصالنا"، وكان كوكوشكا يستأجر لها عربة بجياد ليعرضها بالقرب منه في الأيام المشمسة شأن امرأة حقيقية، وكان يأخذها إلى دور الأوبرا.
ولم يكتف بذلك بل أقام لها حفلاً دعا إليه بشر الطبقة الراقية وهناك هوجمت الدمية وكسر رأسها، وسكب النبيذ الأحمر على جسد الدمية ليشكل ذلك استعارة للدماء البشرية، ويختم كوكوشكا حكايته بالقول: "كانت الدمية صورة لحب مهدور".
وتتالت سلسلة الدمى بعد ذلك ليشرع هانز بيلمر في صنع دمى بمفاصل على هيئة مراهقات، وجعل منهن يتخذن أوضاعاً مختلفة، وتلقفت الدمية الجديدة ونشرت الصور في مجلة Minotaure في كانون الأول من العام 1935، وفي العام التالي أصدر كتابا ضمنه تلك الصور وأسماهDie Puppe.
وتتالت السلسلة بعد ذلك إلى أن وصلت إلى الدمية "باربي" القادمة من وراء البحار، وانتهى المطاف بالدمية "فلة" في عالمنا العربي.

الأكثر قراءة