لا العدد ولا العتاد .. «التعلم والابتكار» قوة جيوش 2030

لا العدد ولا العتاد .. «التعلم والابتكار» قوة جيوش 2030
السباق الدولي نحو بناء جيوش وطنية قويّة لن ينتهي.

هناك اهتمام أكاديمي وصحفي مستمر ومتزايد ببحث أقوى جيوش العالم من آنٍ إلى آخر، وفق عدة مقومات وآليات يتم من خلالها تصنيف تلك الجيوش وترتيبها، ومن أمثلة ذلك، موقع Global Fire Power الذي جاءت قائمته الأخيرة لأقوى خمسة جيوش في العالم لعام 2016 كالتالي: الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، الهند، فرنسا، وهو ما يتطابق مع تقرير نشره موقع مجلةThe National Interest في السادس عشر من يوليو، الذي جاء عنوانه "أقوى خمسة جيوش في العالم عام 2030"، أعده روبرت فارلي، وهو محاضر أول في كلية باترسون للعلوم الدبلوماسية والتجارة الدولية في جامعة كنتاكي الأمريكية.
ويطرح التقرير - الذي نقله إلى العربية المركز القومي للدراسات - تساؤلا حول أقوى الجيوش الوطنية بحلول عام 2030، وذلك ارتباطًا بثلاثة محاور رئيسية، هي:
1 - قدرة الجيوش على الوصول إلى الموارد والثروات الوطنية المتاحة بما في ذلك وسائل التكنولوجيا الحديثة.
2 - مدى وجود دعم سياسي كامل للجيش من عدمه من قبل الأنظمة السياسية القائمة.
3 - قدرة الجيش نفسه كمؤسسة على التعلم والابتكار والتطوير من إمكانياته مع مرور الوقت حتى في أوقات السلم.

الولايات المتحدة في المقدمة

يشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الـ 15 الماضية واصل جيشها عملياته الميدانية في كل من العراق وأفغانستان، وذلك في ظل استمرار تسلح الجيش بنظام هائل من الابتكار العسكري، حيث يضم الجيش الأمريكي أكبر مجموعة للطائرات في العالم بدون طيار ضمن قوة جوية تشمل أكثر من ثلاثة آلاف نوع مختلف من الطائرات؛ ولذا فإن الجيش الأمريكي مرشح - وفق التقرير - لكي يظل هو أقوى جيش في العالم بحلول عام 2030 وليس بفارق ضئيل عن أقرب منافسيه.
أما عن روسيا فإن التقرير يبرز كونها كانت قد فقدت كثيرا من قوتها ومواردها العسكرية إبان الحرب الباردة، خاصة في ظل تراجع نفوذها السياسي والقوى العاملة فيها، وانهيار حركة التصنيع العسكري، وانخفاض الروح المعنوية؛ إلا أن ذلك قد تغير تمامًا خلال السنوات القليلة الماضية، حيث قامت بعديد من العمليات العسكرية من أجل استعادة نفوذها ووجودها العسكري عالميا، فقد هزم الجيش الروسي جورجيا خلال عام 2008، وقد تضمنت تلك الحرب رسالة روسية شديدة اللهجة برفض أي عبث عسكري بالقرب من حدودها، ورفض أي تدخلات سياسية خارجية في هذا الإقليم، وقد تأكد ذلك بعد سنوات قليلة، حيث قامت القوات الروسية بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم في أوكرانيا خلال عام 2014.
ويؤكد التقرير أن الجيش الروسي يواصل لعب دور متزايد في إدارة السياسة الخارجية الروسية أخيرا، وهو ما يأتي متزامنًا مع حجم الاستثمارات الهائلة في القوة العسكرية الروسية. وفي هذا الإطار، من المتوقع أن تصبح روسيا هي القوة العالمية الأكبر والأكثر فتكًا في عام 2030 بعد الولايات المتحدة الأمريكية دون أن ينفي ذلك وجود عقبات مثل إمكانية الحصول على تكنولوجيا عسكرية أكبر في المستقبل.
وفيما يتعلق بالجيش الصيني؛ فإن التقرير يشير إلى أنه منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي قام جيش التحرير الشعبي الصيني بعمل إصلاحات عسكرية وتحولات كبيرة جعلت الجيش يتحول من مجرد كيان عسكري بحت إلى مؤسسة لديها مشاريع تجارية ومجموعة واسعة من المشاريع الصغيرة، وتزامن ذلك مع الدفع بتمويلات كبيرة في القطاع العسكري، وزيادة الاهتمام بالقطاع التكنولوجي. وعلى الرغم من ذلك فإن تمويل الجيش الصيني يظل أقل من تمويل الجيش الأمريكي. كذلك فإن الجيش الصيني يفتقد إلى الخبرة الواقعية في ظل عدم خوضه حروبًا أو مواجهات عسكرية منذ الحرب الفيتنامية–الصينية أواخر سبعينيات القرن الماضي، ولذا من المتوقع أن يحل في المرتبة الثالثة في عام 2030.
صعود فرنسا والهند

يشير التقرير إلى أن الهند تمتلك خبرة قتالية هائلة، حيث تعامل الجيش الهندي مع عمليات قتالية في أنحاء متفرقة من البلاد، خاصة في ظل وجود تهديدات داخلية متعددة، سواء كانت من الماويين أو من أقليات مدعومة من باكستان في إقليم كشمير، إضافة إلى عمليات أخرى في البلاد. وبالنسبة إلى الجاهزية القتالية؛ فإن الجيش الهندي يملك جاهزية عالية ضد أي مخاطر، خاصة في مواجهة الغريم التقليدي باكستان، وهو ما جعل القوة العسكرية الهندية أداة فعالة في إدارة السياسة الخارجية للبلاد.
وعلى الرغم من تراجع الهند عسكريا في بعض النواحي مقارنة بمنافسيها الدوليين، فإن لديها سجلا حافلا فيما يتعلق بالتكنولوجيا العسكرية، وتحاول استكمال المجمع الصناعي العسكري المحلي، ومع ذلك فإن الجيش الهندي مطالب ببذل مزيد من الجهد في تطوير قواته البحرية وكذلك الجوية، وهو ما يعني ضرورة تعزيز التكنولوجيا المتقدمة مستقبلا، وهو ما سيجعل الهند قوة عالمية هائلة في عام 2030 أكثر من أي وقت مضى.
وفي السياق ذاته، يرجح التقرير فرنسا من بين كل الدول الأوروبية لتكون الدولة الأوروبية التي تحتفظ بالجيش الأكثر قدرة وقتالية أوروبيا في المستقبل، خاصة في ظل الرغبة الفرنسية المستمرة في لعب دور رئيسي في السياسة العالمية، والإيمان بضرورة وجود قوات برية فعالة لأداء هذا الدور، وهو ربما ما يمكن أن يزيد من الجموح الفرنسي نحو مزيد من السيطرة على الأجهزة العسكرية والأمنية في الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا الإطار، فإن المجمع الصناعي العسكري الفرنسي لا يزال قويا، سواء محليا في ظل التزام حكومي بالحفاظ على وجود صناعة أسلحة محلية قوية تعمل لمصلحة الجيش، أو خارجيا في ظل استمرار التصدير الكبير؛ حيث إن الجيش الفرنسي لديه معدات وأدوات اتصالات حديثة، وهو ما يُعتبر العمود الفقري لمهام قوات الاتحاد الأوروبي متعددة الأطراف. ومن جانب آخر؛ فإن الجيش الفرنسي لديه خبرة معتبرة فيما يتعلق بالعمليات القتالية ذات المستويين المتوسط أو الأقل، فقد كان موجودًا في أماكن قتالية مختلفة من العالم، مثل بعض العمليات المرتبطة بالحرب على الإرهاب في شمال إفريقيا، إضافة إلى المشاركة في عمليات أخرى في أفغانستان.
ويعتمد التقدم العسكري الفرنسي في الأساس على قوتين رئيسيتين هما: البحرية الفرنسية، ولديها قدرات كبيرة على التدخل السريع في مناطق النزاع، وسلاح الجو الفرنسي، الذي يقدم الدعم بشكل متزايد لتلك العمليات القتالية، سواء من خلال الضربات الجوية أو النقل والاستطلاع.
وختاما، يشير التقرير إلى أن بناء جيش قوي يظل هو الأمر السهل الممتنع، حيث إن الدولة لا بد أن يكون لديها رأسمال بشري كبير بجانب إمكانيات تكنولوجية وتقنيات مبتكرة مدعومة من اقتصاد حديث وقوي، وهو ما يرتبط ارتباطا وثيقا بضرورة وجود هيكلة واضحة للعلاقات المدنية-العسكرية. وبالتالي فإن التقرير يبرز وجود الدول الخمس على قمة جيوش العالم خلال السنوات المقبلة حتى عام 2030، وذلك في ظل ما يمكن اعتباره هيمنة تقليدية من تلك الدول على معظم تصنيفات جيوش العالم، وفي ظل حرص الدول المتزايد على تدعيم جيوشها الوطنية خاصة في ظل الموجات المتصاعدة من التطرف والإرهاب في العالم فإن السباق الدولي نحو بناء جيوش وطنية قويّة لن ينتهي.

الأكثر قراءة