اعتماد مادة القانون في التعليم
سبق أن كتبت مقالا قديما بعنوان “كليات قانون الشريعة”، وكانت فكرته تسليط الضوء على حالة الانفصام التي نعيشها في مرحلة مبكرة من التعليم الجامعي بالفصل بين القانون “الذي يطبق في الكثير من القضايا التجارية والمالية والجنائية والإدارية وغيرها فيما لا يعارض الشريعة” وبين الفقه الشرعي، وبالتأكيد فإن هذه الحالة لها تأثيرها الكبير في ضعف التشريعات والمخرجات التي تنتجها هذه المدرسة إلا باجتهاد الأشخاص فرديا بتأهيل أنفسهم!
لا تقتصر المشكلة على التعليم العالي، فالتعليم العام أيضا يحتاج الطلاب فيه إلى أن يكون لديهم ولو مجرد أساسيات قانونية يحتاجون إليها في حياتهم وتعاملاتهم، ما يساعدهم في الالتزام بالقانون إضافة لحماية أنفسهم بمعرفة حقوقهم. يجب أن يتعلم الطلاب حاضرهم أكثر من تعلمهم لبعض القضايا المرتبطة بتاريخ ونتاج أزمات التاريخ التي كثيرا ما يتوه الطلاب بينها بلا فائدة! يحتاج الطلاب إلى معرفة حقوقهم وواجباتهم القانونية، كما يجب ألا يتخرجوا إلا وهم يعرفون على الأقل أهم أنظمة البلد وكيفية تركيب الدولة وأنظمتها. يجب أن يتعلم الطلاب روح الالتزام بالقانون العام والتضحية لأجل سيادته وتطبيقه، وأن يتشربوا أن القانون ليس إلا لمصلحة المجتمع والجماعة، يعاقب المخطئ ويمسك بيده إن تجاوز، وذلك لمصلحة نفسه ومصلحة المجتمع ككل.
القانون هو القوة التي من خلالها يمكن إعادة تشكيل مفاهيم الناس وأخلاقياتهم بشكل إيجابي، كما يعبر بذلك بيرك أحد أساتذة القانون الأمريكيين.
لماذا يتخرج طلابنا في الثانوية العامة وهم لا يعرفون أي شيء عن أنظمة البلد؟ لا شك أن تعريفهم بأنظمة البلد يسهم في توعيتهم ومعرفتهم لحقوقهم وواجباتهم النظامية. ومع الأسف، إن هذه النتيجة ليست مقتصرة على طلاب الثانوية، بل حتى خريجي أغلب التخصصات غير تخصص القانون! بما في ذلك كليات الشريعة التي يتخرج فيها القضاة وكثير من المحامين أيضا، في تكريس لحالة الانفصام الإرادي!
القانون هو خلاصة تجارب وحضارة البشر في العصر الحديث، وحداثة قانون أي بلد وتطوره دليل وعي ورقي ذلك البلد وتقدمه. كما أن القانون هو الذي يترجم أفكار وأهداف صاحب القرار وسياسته لتكون نظاما محكما ينظم متفرقات تلك الأهداف والسياسات في شكل نظام يجمعها ويؤلف بينها، ولا غنى لصاحب القرار عن القانوني البارع الذي يجمع بين فهم تلك السياسة والأهداف وبين جودة الملكة القانونية. القانوني المحترف هو الذي يستطيع أن يوازن أيضا بين الأهداف التي يريد ترجمتها صاحب القرار في أنظمة بتناسق ومواكبة مع الأنظمة والسياسات الأخرى وبلا تعارض، وألا تختلف في أهدافها العامة، وهي مهمة صعبة بلا شك وتحتاج إلى جودة التأهيل، خاصة في هذه المرحلة الإصلاحية والنهضوية التي يشهدها البلد ولله الحمد.
محام ومستشار قانوني