Author

الاختلاف حول احتياطي البترول التقليدي

|
نحن هنا بصدد معلومة نفطية مهمة حول المصداقية والشفافية في عالم البترول، وفي مجال يكثر حوله الاختلاف. ففي منتصف الثمانينيات الميلادية، اتخذت جميع دول الأوبك وعلى انفراد قرارا مفاجئا، وهو رفع أرقام الاحتياطي البترولي القابل للإنتاج بجرة قلم، وبنسبة تراوح بين 30 و200 في المائة، دون أي مبرر منطقي أو فني أو اكتشافات جديدة. وربما إن ذلك الحدث كان يقصد منه آنذاك رفع الاحتياطي المحلي لكل دولة من أجل أن تحصل داخل المنظمة على حصة إنتاج أكبر. مع العلم بأن الإسراف في الإنتاج من مصدر قابل للنضوب هو إهدار للثروة مهما كان القصد. والأغرب من ذلك، أن دول منظمة الأوبك ظلت تعيد نشر تلك الأرقام الجديدة نفسها، مع إضافات عشوائية، خلال الـ30 سنة التي تلت دون تغيير، رغم إنتاج مئات المليارات من براميل البترول خلال تلك الفترة. ونحن نعلم أنه لم يكتشف ولا حقل واحد متوسط الحجم من نوع التقليدي منذ عقود، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، بل حول العالم. نعم، حصلت اكتشافات هنا وهناك، ولكنها كانت كلها لحقول صغيرة لا تضيف كثيرا للاحتياطي المعلن أو من نوع غير التقليدي المكلف. وكما هو معلوم، فشعوب منطقة الخليج، على وجه الخصوص، تعيش على دخل البترول بشكل كامل، وقليل منا من يهتم بأمر المستقبل المجهول. فالأكثرية العظمى من المواطنين لا يدركون مدى قرب بدء الانخفاض القسري لإنتاج البترول الذي لا رجعة فيه، ومعه نزول الدخل، بينما عدد السكان في بلداننا الخليجية يتنامى بنسب مخيفة. ويعيش على أرضنا وعلى اقتصادنا عشرات الملايين من البشر الذين لا يحملون جنسياتنا، وبعضهم يعيشون عالة علينا ونستطيع الاستغناء عن خدماتهم لو أردنا ذلك خلال سنوات قليلة. وبما أن جميع دول الأوبك رفعت الاحتياطي في وقت متقارب وبنسب كبيرة، فقد فقدوا مفعول تلك العملية ولم يستفيدوا منها شيئا. ويلاحظ أيضا أن دولة فنزويلا، على سبيل المثال، رفعت احتياطيها ما بين عام 2008 و2010 بإضافة ما يزيد على 200 مليار برميل من نوع البترول الثقيل غير التقليدي، وهي إضافة لا قيمة لها على أرض الواقع لأن كميات إنتاجه ضئيلة ومكلفة. ثم تلتها أيضا كندا، وهي ليست من دول الأوبك، بإضافة ما يزيد على 150 مليار برميل من نوع الرمل البترولي. وهو أيضا محسوب على غير التقليدي. وهاتان الإضافتان تجعلان البترول الصخري الأمريكي أولى بأن يعتبر تقليديا ويضاف إلى الاحتياطي الأمريكي التقليدي. ويقدر المحللون الاحتياطي العالمي مما يطلق عليه البترول التقليدي أكثر من (تريليون و600 مليار برميل). وهذا يشمل إضافتي فنزويلا وكندا، مع ما يقارب 200 مليار برميل من عملية التضخيم التي ذكرناها آنفا. وهو ما يعني أن التقدير التقريبي للاحتياطي الحقيقي المتبقي من البترول الرخيص لا يزيد على الأرجح عن تريليون واحد، ما لم تقم جهات محايدة بتقدير الاحتياطي لكل دولة بعيدا عن العوامل السياسية. وأهمية الموضوع تكمن في أن العالم اليوم يعتمد اعتمادا كبيرا على إنتاج البترول التقليدي الذي يمثل 80 في المائة من إنتاج البترول الخام العالمي. ولا يصح أن يترك الأمر للتخمينات ثم يفاجأ المجتمع الدولي بحدوث نقص حاد في الإمدادات قبل أن تكون هناك بدائل كافية لهذا المصدر الفريد. ولعل من نافلة القول أن نذكر ظهور رأي متأخر يربط كميات الاحتياطي الذي لا يزال في مكامنه بالسعر السائد في السوق البترولية. وهو ما يعني أن الاحتياطي العالمي عند سعر 50 دولارا للبرميل يقل بكثير عن الاحتياطي عند 100 دولار. وعلى الرغم من أنه اقتراح منطقي ووجيه، إلا أنه غير عملي. فالأهم هو وجود البترول وقابليته للإنتاج بالطرق المعروفة تحت أي وضع سعري. وقد يتساءل المرء عن مستقبل النفوط غير التقليدية التي قد يزيد احتياطيها عن بضع تريليونات من براميل البترول. وهي فعلا موجودة ومن الممكن إنتاجها بطرق مختلفة، ولكنها مكلفة وتتطلب أسعارا مرتفعة. أضف إلى ذلك ضآلة إنتاجها مقارنة بالتقليدي المعروف. غياب الشفافية في أمور اقتصادية جوهرية تهم المواطن لا يخدم مصالح الشعوب التي هي دون غيرها سوف تعيش الواقع، خصوصا أن البعض من شعوب دول الأوبك لا تملك من حطام الدنيا إلا ما تكسبه من بيع البترول. فإذا انتهى البترول أو هبط إنتاجه قسريا إلى مستويات متدنية فسوف تكون الحياة، بالنسبة للغالبية منهم، في غاية الصعوبة. بينما الحلول ولله الحمد موجودة ومتيسرة في وقتنا الحاضر، حيث الإمكانات المالية متوافرة. فما علينا إلا استثمار جزء من الدخل في مشاريع تنموية تدر علينا دخلا مضافا يخفف من عبء الاعتماد الكلي على البترول ويكون نواة لدخل متكامل بعد انتهاء عصر البترول. وهو ما تسعى إلى تحقيقه "رؤية 2030" في بلادنا. ولا بد من توضيح نقطة مهمة حول الموضوع. فقد يعمد البعض إلى قسمة الاحتياطي المذكور أعلاه على الاستهلاك العالمي السنوي، فيستنتج أن البترول لن يدوم أكثر من 35 عاما. وهذا صحيح لو أن كمية الإنتاج سوف تظل عند المستوى الحالي خلال ما تبقى من عمره. ولكنها في الواقع سوف تنخفض كثيرا وتستمر في الانخفاض إلى مستويات متدنية مع تقدم عمر الحقول، حتى يصبح الإنتاج غير اقتصادي. وهو ما يعني أن البترول سوف يظل يتسرب من مكامنه لعقود طويلة وبكميات قليلة لا تفي بمتطلبات المجتمع الدولي.
إنشرها