لماذا ألتزم بالنظام؟

في مواقف، ومناسبات عدة يلاحظ أحدنا مخالفات للنظام، سواء في موقع العمل أو الشارع كسرعة جنونية، أو السير عكس النظام، أو رمي المخلفات في غير أماكنها المحددة، وهذه التصرفات المؤذية لمن لديه إحساس، أو ثقافة متحضرة يجد نفسه مضطرا للتدخل مناقشا من تقع منه مثل هذه التصرفات، بهدف بيان خطأ السلوك، ومعرفة الأسباب التي تقود لهذه الأفعال.
في أكثر من موقف تبين لي أن عذر "الجميع يمارس هذا الفعل" هو ما يبرر به من يرتكب الممارسات الخاطئة، وفي ظني أن من يقول بمثل هذا التبرير إنما هو تبرئة للذات، فكأنه يقول الجميع في المجتمع يمارس الشيء ذاته فلماذا ألزم نفسي أنا بالنظام، بينما غيري متحرر من النظام، ومثل هؤلاء الأشخاص يكونون تجاوزا عتبة الحرج، أو بالمفهوم العام العيب الذي كان يمثل رادعا للأفراد من الإقدام على فعل غير مقبول، على الصعيد الاجتماعي، ومع الأسف أن قوة العيب هذه يوجد من الكتاب، والإعلاميين من يتصدى لها، ويسهم في تكسيرها في كل الأمور دون استثناء، رغم قيمتها في الردع الذاتي الذي يشعر الفرد بالحرج، فيما لو علم الناس بفعله المشين.
حزمة منطلقات يمكن التأسيس بناء عليها لإيجاد منظومة قيم توجه سلوك الفرد للالتزام بالنظام، بشرط أن تكون اللبنات الأولى في مراحل التعليم الأساسية، العنصر الأول في هذه الحزمة العبادة، فشعور الفرد أن التزامه بالنظام عبادة لله، لما فيه من مصلحة له في ذاته، ومصلحة المجتمع بشكل عام، فالممارسات الخاطئة أضرارها قد تكون جسيمة "ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة"، وفي هذا ما يجنب الفرد التسبب في أضرار تطوله، وتطول غيره من الأفراد، كما في السرعة التي تكشف التقارير تسببها في وفاة عشرات الآلاف في المملكة، إضافة إلى حالات الإعاقة التي تفقد الفرد الحياة الطبيعية، مع ما يصاحب ذلك من معاناة نفسية، وأسرية، حيث يتحول الفرد إلى عالة على الآخرين.
صلاح، ونماء المجتمع، وتطوره تمثل عناصر الحزمة الموجبة للالتزام بالنظام، وما من شك أن تجاوز النظام، وعدم احترامه يحدث حالة اضطراب اجتماعي، وخللا تنمويا لما يصاحبه من سرقة المال العام، وشيوع الرشوة، والإخلال في تنفيذ المشاريع، وهذا ما نلمسه في سوء تنفيذ بعض المشاريع، وهذا نتيجة عدم الالتزام بالنظام.
لا يمكن ضمان الالتزام بالنظام بنسبة 100 في المائة في أي مجتمع، لكن يمكن الحد من ذلك لأدنى مستوى متى ما زرع الإحساس بأهمية الالتزام بالنظام، وقيمة النظام في تماسك المجتمع، ونموه، وتطوره، ولعل مفهوم العيب يسهم في إحداث حالة ردع ذاتي تجعل من يفكر في المخالفة يتردد لما لنظرات الآخرين نحوه من ألم يؤذيه ويسيء لسمعته، ويتعدى إلى أسرته.
مخالفة الأب للنظام تحدث حالة من عدم الشعور بقيمة النظام لدى أبنائه، وكذلك المعلم الذي يفترض أنه ممثل المجتمع والوسيط الذي ينقل قيم وثقافة المجتمع، وأنظمته للناشئة، فمتى ما لاحظ الطلاب استخفاف معلمهم بالنظام سيسيرون على خطاه إلا ما ندر، وهكذا فالمسؤول عندما يستخف بالنظام فهو يمثل قدوة يحتذى بها من قبل من يعملون تحت إدارته.
لا شك أن قيمة النظام تتأكد باحترامه وسيادته على الجميع، دون تمييز، وهذا لا يتحقق إلا عندما يحترم الجميع النظام، ويسعون لسيادته، وفرضه على الجميع، وفي هذه الحالة يكون الاحترام، والأثر الإيجابي الذي يسهم في التنمية، وتحقيق العدالة، والمحافظة على موارد، ومكتسبات البلد.
احترام النظام سمة من سمات تحقق المواطنة، إن لم يكن صون المواطنة، والمعبر الحقيقي عنها، فهل تنجح مؤسساتنا التربوية، والاجتماعية في غرس النظام لتتحقق المواطنة تبعا لذلك؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي