عادات المصريين في رمضان قبل قرنين
اعتنى المستشرق إدوارد وليم لين عناية فائقة بدراسة عادات أهل مصر في القرن التاسع عشر الميلادي، وسجل في كتابه ملاحظات مهمة كثيرة، منها ما يتعلق بعادات المصريين في رمضان. إنه إدوارد وليم لين، أو منصور أفندي كما اشتهر في المشرق.
ولد عام 1801، وتوفي عام 1867، وهو مستشرق إنجليزي اشتهر بترجمته كتاب ألف ليلة وليلة، ومؤلفات تتصل بالشرق العربي الإسلامي، منها قاموسه الكبير من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية. ولد في قرية هيرفورد الإنجليزية، والتحق بجامعة كمبردج، لكنه لم يكمل تعليمه الجامعي بها، وانصرف بدلا من ذلك إلى الدراسات الشرقية؛ فسافر إلى مصر عام 1825، حيث أقام ثلاثة أعوام درس فيها طبيعة مصر الجغرافية وتاريخها، وتأمل في حياة أهلها الاجتماعية والاقتصادية، فخرج من ذلك بكتاب كان سببا في شهرته عنوانه "طباع المصريين المحدثين وعاداتهم" لم ينشره إلا عام 1836، وقد نفدت الطبعة الأولى من الكتاب في أسبوعين فقط، ثم طبعت منه خمس طبعات أثناء حياة لين. انصرف لين بعد ذلك إلى ترجمة ألف ليلة وليلة ما بين عامي 1838 و1840، فجاءت ترجمته دقيقة إذا قيست إلى الترجمات الأوروبية السابقة.
#2#
عاد لين بعد ذلك إلى مصر فأقام بها سبعة أعوام انتهت عام 1849، وكان يعمل في تلك الفترة على معجمه الكبير ذي الثمانية أجزاء الذي لم يتمه إلا قبل وفاته بأيام قلائل. وقد اعتمد لين في معجمه على عدد من القواميس العربية الكبيرة، منها لسان العرب لابن منظور والقاموس المحيط للفيروز أبادي، وتاج العروس للزبيدي، والصحاح للجوهري. ظهر الجزء الأول من المعجم عام 1863، والخامس عام 1876. أما الأجزاء الثلاثة الأخيرة فلم تظهر إلا بعد وفاته.
والدكتور محمد خير البقاعي، باحث جاد عميق المعرفة، له عناية بالتراث والشعر العربي، وحقق عدة دواوين شعرية، وبعد حصوله على الدكتوراه من جامعة ليون الثانية في فرنسا، اهتم بترجمة بعض الرحلات والمؤلفات الفرنسية إلى العربية، كما أصدر مؤلفات أخرى، ونشر عديدا من البحوث، وأحدها بعنوان "رمضان في كتب الرحالين الأجانب"، وجاء فيه حديث عن عادات المصريين في شهر رمضان الكريم، ويقول فيه: "أما من فصل القول في الحديث عن رمضان وما يمارس فيه من عبادات وتقاليد فهو المستشرق البريطاني إدوارد وليم لين Edward William Lane (1801-1876) في كتابه (أخلاق المصريين المعاصرين وعاداتهم) الذي نشر في عام 1836، فحدثنا عن ليلة رؤية رمضان عام 1835، فيذكر: "والليلة التي يتوقع أن يبدأ صبيحتها الصيام تسمى ليلة الرؤية"، فيرسل عدد من الأشخاص الثقاة إلى مساحة عدة أميال في الصحراء؛ حيث يصفو الجو لكي ليروا هلال رمضان، بينما يبدأ من القلعة موكب الرؤية الذي يضم المحتسب وشيوخ التجار وأرباب الحرف والطحانين والخبازين والجزارين والزياتين والفكهانيين.
وتتقدم الموكب فرقة من الجنود، ويمضي الموكب حتى ساحة بيت القاضي، ويمكثون في انتظار من ذهبوا لرؤية الهلال، وعندما يصل نبأ ثبوت رؤية هلال رمضان يتبادل الجميع التهاني، ويسير الدراويش في مجموعات يطوفون أحياء القاهرة وهم يصيحون (يا أمة خير الأنام.. صيام.. صيام), أما إذا لم تثبت الرؤية في تلك الليلة فيكون النداء (غدا متمم لشهر شعبان.. فطار.. فطار). ويعد لين أبرز من تحدث عن المسحراتي وعاداته، وذكر نصوص الأغاني التي يتغنى بها والنوتة الموسيقية الخاصة بكل أغنية.
كما ذكر أنه يدور في كل ليلة، ولكل منطقة مسحراتي خاص بها، يطلق المدائح لأرباب المنازل؛ ممسكا بيده اليسرى بازا صغيرا وبيده اليمنى عصا أو قطعة من الجلد يضرب بها عند كل وقفة ثلاث مرات، يرافقه صبي يحمل ناقوسين؛ موحدا الله ومصليا على الرسول- صلى الله عليه وسلم- (اصح يا غفلان وحد الرحمن.. أسعد الله لياليك يا فلان)، داعيا بالتقبل والحفظ لأهل الدار، ولا يذكر أسماء البنات، وإنما يقول: أسعد الله لياليك يا ست العرايس، وكان المسحراتي يلزم الصمت عندما يمر ببيت في حالة حزن لوفاة عزيز.
وتحدث إدوارد لين عن العشر الأواخر من رمضان، وقال إن غالبية المؤمنين يفضلون قضاءها في المشهد الحسيني وجامع السيدة زينب".
وقد ترجم كتاب إدوارد وليم لين إلى العربية أكثر من مرة أولها بعنوان "المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم في القرن التاسع عشر"، ترجمه عدلي طاهر أنور، وصدر عام 1950 عن مطبعة الرسالة، ثم أعيد طبعه لاحقا في الهيئة العامة لقصور الثقافة.
كما صدرت ترجمة أخرى بعنوان "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم"، عن مكتبة مدبولي في القاهرة عام 1999، بترجمة سهير دسوم. والترجمة الأولى هي المعتمدة لدى المختصين.