رمضان .. موسم لتغيير السلوك تجاه البيئة
يبدو لنا في رمضان أن نركز كليا على أنفسنا وعلى ممارستنا الخاصة في ضبط النفس، نمونا الروحي الخاص، جهودنا للمساعدة في التخفيف من المعاناة والجوع للضعفاء والفقراء من حولنا. لدينا شعور وعقلية نشطة في فعل الخير في توزيع الملابس، وإطعام الطعام، وحتى الإنفاق لأجل توفير التعليم أو الرعاية الصحية للمحتاجين. وبعد تأدية واجبنا من منح الخير للآخرين، يجب ألا ننسى البيئة التي نعيش فيها وكيف نستفيد من رمضان كموسم لتغيير وتطوير بعض سلوكياتنا المجتمعية من أجل بناء البيئة المستدامة والحفاظ عليها.
و"البصمة" من أفعالنا تتجاوز الأجيال عبر الزمان والمكان. نحن بحاجة إلى أن نعي أن "العمل الصالح" يشمل ويحث على العيش في بيئة صالحة ومستدامة. والواقع أن مفهوم الصدقة الجارية في الإسلام هو من الأفعال ذات التداعيات الإيجابية وذات الطابع الأبدي. وزرع شجرة على سبيل المثال هو أحد أنواع "فعل الخير"، التي حث عليها النبي محمد ـــ صلى الله عليه وسلم. وتعاليم الإسلام تعين أمورا واضحة لدور المسلمين في المحافظة على البيئة.
وهناك عدد من المبادرات في جميع أنحاء العالم تركز الآن على هذا الجانب من الروحانية الإسلامية. وقد بدأت المساجد في جميع أنحاء العالم بما في ذلك حملات التوعية البيئية في خطبهم. على سبيل المثال، تقوم مساجد شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية بتشجيع دوائرهم الانتخابية لزراعة الحدائق النباتية، واستخدام الانتقال الجماعي لحضور صلاة التراويح لتقليل التلوث الصادر من المركبات، وحتى إعادة تدوير النفايات.
يقول زاهر سحلول، رئيس مجلس إدارة مجلس المنظمات الإسلامية في شيكاغو الكبرى "شهر رمضان هو الشهر الذي قمت بتغيير نمط حياتك فيه، لذلك من المنطقي أن نستفيد من هذا الشهر لتغيير سلوكنا من حيث الاستهلاك، والوعي البيئي". ويقول: الأفعال أقوى من الكلمات، حيث افتتح أخيرا سحلول صاحب مؤسسة "بريدج فيو" مبنى موفرا للطاقة، يتضمن الضوء الطبيعي، ويستخدم الألواح الشمسية لتسخين المياه، والسجاد مصنوع من المواد المعاد تدويرها.
وقال المدير التنفيذي للمجلس نفسه، "ما نطلبه قد يتعارض مع المعايير الثقافية، ولكن عن طريق صياغة ذلك في سياق الروحانية الرمضانية والإيمان، نحن نشعر بأن صوتنا سوف يصل إلى أكبر عدد من الناس".
ومن بين الجهود الأكثر شمولية، ويمكن أن يطبق عالميا، ما أحرز من قبل المملكة المتحدة والمؤسسة الإسلامية للحفاظ على البيئة والعلوم البيئية: منشور بعنوان دليل المسلم الأخضر إلى الحد من تغير المناخ. وهو جهد يستحق الثناء، فإنه يوفر اقتراحات عملية حول كيفية أن تقلل جالية المسلمين من انبعاثات الكربون.
ويحدد الدليل مناطق النشاطات داخل الأسرة حيث يمكن للأفراد جعل الاستخدام فعالا للطاقة والموارد، وهو أقرب ما يكون دليلا إلى كفاءة الإيكولوجية الخاصة بالشركات. فالطبخ، جزء لا يتجزأ من الولائم لشهر رمضان، يكون أكثر استدامة وصديقا للبيئة إذا ما استخدمت المنتجات المحلية العضوية. فينبغي تشجيع استخدام الفواكه والخضراوات الموسمية وذلك للحفاظ على الزراعة المحلية، بدلا من تلك التي تزرع في البيوت الزجاجية أو المجمدة المستوردة، ما يسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري. ويفضل أن تشترى الأدوات اليومية بكميات كبيرة لتجنب تكاليف النقل والتعبئة والتغليف. الدليل يشجع حتى استهلاك الحليب العضوي لأنه يتطلب ثلاث مرات أقل من الطاقة للإنتاج مقارنة بالحليب غير العضوي. والحقيقة أنه لا بد من تسليط الضوء أكثر من ذلك في مواجهة الدعاية والإعلانات المحلية، ناهيك عن أن الحليب العضوي لا يتسرب مع الهرمونات الضارة على صحة الإنسان.
وبالمثل، يتم تشجيع الاستخدام الفعال للكهرباء والحد الأدنى من استخدام الإضاءة الاصطناعية. وتشمل الاقتراحات التي تستخدم المصابيح الموفرة للطاقة وتعظيم الاستفادة من الإضاءة الطبيعية. وينبغي حظر الإضاءات غير الضرورية من المساجد والأسواق كل ليلة على مستوى المدينة، خاصة بالنظر إلى أزمة الطاقة التي نواجهها.
إدارة النفايات مجال آخر، ينبغي أن يكون جزءا من حملات التوعية التي تقودها المساجد وحتى المحال التجارية. إن فكرة الحد من النفايات تبدأ من السوبر ماركت لذا يجب أن يوضع في الاعتبار الإعلان المستمر عن أهمية إدارة النفايات حتى لا تنغمس في المرح والتسوق. يجب علينا أن نتذكر شراء حاويات لإعادة التدوير، وعاء زجاجي وأكياس من القماش، والتقليل من منتجات التعبئة والتغليف البلاستيكية مع أضيق الحدود.
المياه، مصدر آخر "شحيح" في العالم، يجب أن يستخدم بكفاءة. المياه المستخدمة لغسل الخضراوات والفواكه واللحوم يمكن تخزينها وإعادة استخدامها لسقي الحديقة الخاصة بك - ففي الواقع هذه المياه المعاد استخدامها غنية بالمواد المغذية للتربة لدينا. الأطفال يميلون إلى تشغيل صنابير المياه لحالهم – وهنا يأتي دور الآباء في تحذير الأبناء من الإسراف.
وفي حال عدم التفاعل مع هذه الأفكار وعدم وحدة الهدف في المجتمع، فإن هذه المبادئ التوجيهية يمكن تنفيذها على المستويات الفردية. وأقل ما يمكننا القيام به هو الحد من الانبعاثات الضارة من استخدامنا للأجهزة الكهربائية. مثل إيقاف التلفزيون خلال شهر رمضان المبارك وقضاء وقت أكبر مع العائلة والاستثمار حقا في بعض أنواع الصدقة الجارية لتحسين سلوكيتنا.
اجعل «التخفيض وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير» شعارك في رمضان هذا العام وحافظ عليه!