استراتيجية استثمارية «أوبرية»

ترسم خطة التحول الوطني و«الرؤية السعودية 2030» ملامح الاقتصاد غير المعتمد على النفط. الخطة تستهدف رفع الإيرادات غير النفطية بحلول عام 2020 إلى 530 مليار ريال، بما يفوق ضعفي المستوى الحالي. هدف هذه الخطوة أصبح جليا بعد انخفاض أسعار النفط في العامين الماضيين، وما لحق به من تبعات سلبية على الاقتصاد ككل، وضغوط على الإنفاق الحكومي. وحتى يتسنى تحقيق هذا الهدف الطموح، فلا بد من إيجاد لاعبين جدد، يلعبون في مناطق خارج الصندوق المألوف للاقتصاد المعتمد على النفط. أحد أهم أركان هذا الهدف هو صندوق الاستثمارات العامة، الذي سيلعب دورا كبيرا في دعم الموازنة العامة للحكومة، إضافة إلى المساهمة في تنشيط الاقتصاد ودعمه عبر تنويع البيئة الاستثمارية.
قبل أكثر من أسبوع، تناقلت وسائل الإعلام الاقتصادية الأجنبية خبر شراء صندوق الاستثمارات العامة لحصة تبلغ نسبتها 5 في المائة من شركة أوبر في صفقة بلغت قيمتها 3.5 مليار دولار. هذه الصفقة كانت الأكثر جرأة في تاريخ الصندوق، فمن غير المسبوق قيامه بالاستثمار خارجيا بمثل هذا المبلغ، كما أنه من غير المعتاد أن يقوم صندوق مماثل بالاستثمار في شركات في مرحلة ما قبل الطرح الأولي. جرأة هذه الخطوة كانت كفيلة بوضع اسم الصندوق، والتغيير الحاصل في السعودية واقتصادها، على قمة لائحة عنوانين الأخبار الاقتصادية عالميا على مدى الأسبوع. ومع ذلك يبقى السؤال، لماذا الاستثمار في «أوبر»؟
أوبر شركة واعدة وناجحة. وليس أدل على نجاحها من الانتشار الواسع الذي تمكنت من تحقيقه على مستوى العالم. وكذلك قيام عديد من المنافسين باستنساخ نموذج عملها مع بعض التعديلات البسيطة على الخدمة المقدمة نفسها، ما يجعلها شركة رائدة في مجالها. ولكن ذلك كله لا ينفي أن الاستثمار في مرحلة ما قبل الطرح الأولي عادة ما ينطوي على مخاطر أعلى من الاستثمار في الشركات المدرجة في أسواق الأسهم. ولكن يمكن أيضا لأي صندوق استثماري أن يحوز حصة في شركة ما قبل طرحها الأولي، على أن تكون ذات قيمة مضافة عالية لإجمالي المحفظة التي يديرها. فهل ستشكل صفقة «أوبر» قاعدة انطلاق لمحفظة متنوعة من الاستثمارات الخارجية لصندوق الاستثمارات العامة؟
الاستثمار في الصفقات الواعدة عادة ما يكتب له النجاح بشكل أو بآخر. ولكن من المهم أن تتماشى استراتيجية النجاح مع الاستراتيجية الاستثمارية للصندوق. فعلى سبيل المثال، يتوقع من صندوق الاستثمارات العامة أن يوفر تدفقات نقدية للميزانية السعودية، تشكل جزءا من الإيرادات غير النفطية، لتؤسس لاقتصاد لا يتأثر بتقلبات أسعار النفط. في حين أن العائد المتوقع من الاستثمار في «أوبر» الذي جاء في التصريح الصحافي أنه سيصل إلى أربعة أضعاف عند طرح الشركة ليس إلا ارتفاعا في قيمة الاستثمار، أي أنه ليس سيولة نقدية يمكن إعادتها إلى أرض الوطن. فهي ليست إلا أرباحا محاسبية. ولذلك يمكن استخدام وسائل وتقنيات مالية تتيح توفير السيولة النقدية من أي استثمار مثل بيع عقود الخيار، حيث تعمل التقنيات المالية على تعظيم الفائدة الاقتصادية للأصول بأنواعها كافة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي