Author

سد الثغرات في السوق المالية السعودية

|
بينت وجهة نظري في مقالين سابقين عن أسباب عدم الثقة في سوق الأوراق المالية. وكل ما ذكرته لا يخرج عن كونه عرضا نظريا ووصفا عاما للدوافع التي تدفع المستثمرين للاستثمار في سوق الأوراق المالية والمعوقات التي تقف أمامهم. وقد كان عرضي عاما وشاملا دون التركيز على سوق مالية بعينها أو شريحة من المستثمرين. ففي المقال الأول ذكرت أهمية سوق الأوراق المالية للاقتصاد والأفراد وكيف أنها وعاء استثماري جيد للمستثمرين الأفراد. وفي المقال الثاني عرضت نتائج دراسة استطلاعية عثرت عليها أثناء تصفحي بعض المواقع البحثية أُجريت على عينة صغيرة من المستثمرين وغير المستثمرين في الأوراق المالية في عدة اقتصاديات هدفها قياس هذه الاتجاهات وهي أشبه ما تكون بدراسة نظرية تحتاج إلى دراسة ميدانية موسعة. حيث بينت هذه الدراسة العوامل التي تدفع المستثمرين نحو الاستثمار في الأوراق المالية والمعوقات التي تحد من استثمارهم. وقد كانت دراسة استطلاعية على جميع الأوراق المالية من سندات وأسهم في أي سوق كانت. وفي هذا المقال نريد أن نتقدم قليلا ونطلع على الجانب التطبيقي والدراسات الميدانية التي تناولت الأسباب والمعوقات التي تواجه صغار المستثمرين في سوق الأوراق المالية. وسيكون نقاشنا منصبا على السوق السعودية بالذات. هناك دراسات عديدة تناولت السوق المالية السعودية في السنوات الأخيرة إلا أن أحدث دراسة ميدانية طبقت على السوق المالية السعودية وقامت بقياس كفاءة السوق وأخذت هذه الاتجاهات في الحسبان كانت عام 2009 التي أثبتت بالفعل أن هناك عدم ثقة لدى المستثمرين الأفراد عند تعاملهم مع السوق المالية الأمر الذي قد يؤثر في نشاطها. ويرجع ذلك في ظني إلى أن هذه الدراسة قد تمت بعد الانهيارات العنيفة المتتالية التي تعرضت لها السوق المالية السعودية، فلو أُجريت قبل الانهيارات لكانت النتيجة مختلفة والدليل أن الدراسات التي أجريت على سوق الأوراق المالية في بعض الدول ومنها السوق المصرية ـــ على سبيل المثال - لم تبين حالة الشك هذا في السوق المصرية لأنها أجريت في نهاية التسعينيات عندما كانت سوق الأوراق المالية المصرية في أوج نشاطها، ويمكن أن تكون النتيجة مختلفة لو أجريت بعد الانهيارات التي تعرضت لها السوق المصرية. على أي حال هناك بالفعل عدم ثقة من قبل المستثمرين الأفراد في السوق المالية السعودية وهناك معوقات تقف أمامهم عند رغبتهم في الاستثمار. وعلى الرغم من حالة الشك هذه وعدم الثقة إلا أنه يلاحظ وجود اختلاف بين آراء المستثمرين من حيث درجة أهمية كل سبب وكل معوق. فالمستثمرون يرون أن أهم سبب لحالة الشك هذه يرجع إلى أن السوق المالية السعودية لا تهتم بحماية المستثمرين من المخاطر المالية التي قد يتعرضون لها وأنها (السوق السعودية) لا تتصف بالاستقرار وغير آمنة وهناك انعدام تام للشفافية إضافة إلى الريبة من عدم تنفيذ العقود. كما تؤكد نسبة كبيرة من صغار المستثمرين أنهم لا يحصلون على حقوقهم عند مقاضاة الأطراف العاملة في السوق في حالة الإهمال ويرون أن الرقابة غير فعالة من قبل هيئة السوق المالية. ويرجع سبب كل ذلك حسب وجهة نظر المستثمرين إلى أن السوق المالية السعودية لا تطبق معايير الاستثمار الاحترافي ولا تخضع لمعايير السوق الحرة التي يحكمها العرض والطلب ومن ذلك أنه لا يتم طرح الأوراق المالية الجديدة بناء على أبحاث تأخذ في الاعتبار مخاطر التداول. هذه هي الأسباب الجوهرية وهناك أسباب أخرى أقل أهمية مثل أن سوق المال السعودية لا يحقق فيها المستثمر عائدا مرتفعا مقارنة بمصادر الاستثمارات الأخرى أي أنها سوق في حاجة ماسة إلى عوامل محفزة لا تتصف تكاليف التداول بالانخفاض ولا توجد سرية تامة عن نتائج الاستثمارات. المتغير الوحيد الذي أتى مقنعا إلى حد ما من وجهة نظر المستثمرين هو أنه يتم إصدار الأوراق المالية وتداولها بناء على لوائح و قواعد محددة سلفا. أما فيما يتعلق بالمعوقات فقد أبرزت الدراسة أن أهم معوق هو تحكم كبار المستثمرين في السوق ومساندة بعض الشخصيات المؤثرة لبعض شركات السمسرة. يأتي بعد ذلك التذبذب المفاجئ في الأسعار نتيجة تكرار أزمات السوق. كما يرى المستثمرون أن أسعار الأوراق المالية المتداولة لا تعكس المركز المالي والربحية للشركات المدرجة. وهذا أمر خطير يبين أن هناك اختراقا للسوق يتم من خلاله تضليل المستثمرين كما يبين ضعف الرقابة. يأتي بعد ذلك ضعف الخبرة لدى الكثير من شركات السمسرة والوساطة المالية ما يلجئ بعض شركات السمسرة إلى التلاعب وتضليل المستثمرين والبعض الآخر يقوم بالمضاربات تحت مسميات وهمية، ويرجع سبب ذلك إلى انخفاض دور لجان التفتيش التابعة لهيئة سوق المال. المعوق الرابع يتمثل في ضبابية المعلومات التي تنشر عن الشركات المقيدة في السوق وتأخر وصول المعلومة إلى جميع الأطراف المستفيدة في السوق في آن واحد وعمل هذا يؤدي إلى ظهور الشائعات حول المراكز المالية للشركات وهذا له دور في تشتيت ذهنية المستثمر ووصوله إلى قرار غير رشيد. هذه هي أهم المعوقات وهناك معوقات أخرى أقل أهمية مثل انعدام مكاتب متخصصة تقدم خدماتها لصغار المستثمرين وقلة المعلومات عن الشركات المصدرة للأوراق المالية. بعد هذا العرض للدوافع والمعوقات التي تواجه المستثمرين الأفراد عند تعاملهم مع سوق المال السعودية فإننا نأمل من هيئة سوق المال معرفة أين هي من كل هذا؟ وتحديد الثغرات في السوق ومحاولة سدها حتى نعيد للسوق الثقة ونصل إلى سوق ناضجة، مستقرة، محفزة، آمنة. فالمستثمرون تحفزهم سوق تحقق عائدا مرتفعا وهذا لن يتحقق إلا بتطبيق معايير الاستثمار الاحترافي الذي يخضع لمعايير السوق الحرة التي يحكمها العرض والطلب.
إنشرها