تعليم البرمجة وريادة الأعمال في الابتدائية
أهم العوامل التي تحتاج إليها المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتحقيق المراد منها بحسب "الرؤية السعودية 2030" هي إيجاد البيئة المناسبة لنموها وازدهارها. وحتى نتمكن من خلق هذه البيئة، فنحن بحاجة إلى قصص نجاح مؤثرة، تعمل على تأسيس الثقافة المصاحبة لريادة الأعمال. فمع تضافر قصص النجاح المنبثقة من حاضنات الأعمال المتخصصة، ستتحول حاضنات الأعمال إلى لوبي مساند للجهات المسؤولة، تعمل على تعزيز مكامن القوة لدى رواد الأعمال وطرح مبادرات لتنظيم عمل المنشآت الصغيرة والمتوسطة. فكل تجربة ناجحة مرت بكثير من مراحل التجربة والخطأ حتى تمكنت من الازدهار، وبالتالي فإن تذليل المصاعب التي واجهتها كل تجربة سيتيح المجال أمام المزيد من التجارب للنجاح.
تجارب ريادة الأعمال الناجحة في السعودية، إضافة إلى التقدم التقني على مستوى العالم، تحكي لنا أن أهم نقاط القوة المتوافرة لأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة الصاعدة تكمن في تقنية المعلومات. فمعظم قصص النجاح كانت من نصيب مشاريع قدمت حلولا تقنية أو برمجيات وتطبيقات متميزة. وهو ما يتناسب بشكل كبير مع الطبيعة الابتكارية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. فهي دائما ما تعمل على إيجاد حلول بسيطة وسريعة لمشكلة محلية عبر توفير خدمة غير مسبوقة، لتملأ فراغا في جانب الطلب. بل في بعض الأحيان يتحول الحل أو المنتج إلى رفع إجمالي الطلب عن طريق زيادة كفاءته، ما يخلق أبعادا جديدة على مستوى السوق واستخدام الموارد.
السهولة النسبية لمشاريع تقنية المعلومات تجعلها المجال الأسهل اختراقا والأكثر استقطابا لأموال صناديق رأس المال الجريء. ولذلك نجد أن القطاع الخاص قد بدأ في الاستثمار في حاضنات الأعمال التقنية، فمتطلبات رأس المال منخفضة وآفاق النجاح واعدة. ولكن يبدو أن الاقتصاد السعودي ما زال بعيدا عن الوصول إلى كمية الكتلة المناسبة التي يمكنها تحويل المشهد الاقتصادي لخلق بيئة داعمة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. ويعود ذلك لنقص الخبرات على المستوى التقني في مجال البرمجيات، وكذلك مستوى ريادة الأعمال. ولذلك من الضروري أن يتم التنسيق بين حاضنات الأعمال لتقنية المعلومات وسوق العمل من جهة، وبين التعليم العام من جهة أخرى.
نحن بحاجة ماسة إلى تدريس البرمجة وتطبيقات تقنية المعلومات، إضافة إلى ريادة الأعمال، منذ المراحل الدراسية المبكرة، بدءا من المرحلة الابتدائية. فكما كانت اللغات الأجنبية هي مفتاح التقدم في التحصيل العلمي في العقود الماضية، فإن البرمجة هي اليوم عماد أي بناء وابتكار جديد. فأي نقص يجده المجتمع في خدمة أو منتج معين يمكن ترجمته عن طريق البرمجة إلى حل يوفر تطبيقات تتحول بدورها إلى ضرورة من ضروريات الحياة. فعلى سبيل المثال، نجد أن تطبيق مشاركة السيارات "أوبر" و"كريم" تمكن من رفع كفاءة استخدام السيارة، متخطيا عقبات الخصوصية السعودية، ما سهل من حركة وحرية التنقل للمستفيدين، وخصوصا الإناث. ومع تدريس ريادة الأعمال أيضا، سنمكن الطلاب من بناء مشاريعهم والبحث عن التعليم والخبرات المتخصصة التي يحتاجون إليها دون الحاجة إلى المرور بالتعليم الجامعي. الأمر الذي سيعزز مكانة الكليات التقنية وما تقدمه من خبرات توائم سوق العمل، بعد تطويرها وتبنيها لعلوم البرمجيات وتطبيقاتها، في الاقتصاد السعودي.