انتحاريو «داعش» وصواريخه المسروقة يهددان تركيا بـ «حرب هجينة»

انتحاريو «داعش» وصواريخه المسروقة يهددان تركيا بـ «حرب هجينة»

وصل عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا في تركيا نتيجة الهجمات الصاروخية التي شنها تنظيم داعش، أخيراً رقماً مزدوجاً. ومنذ كانون الثاني (يناير)، استهدف نحو 70 هجوماً من هذه الهجمات العابرة للحدود الأراضي التركية، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 21 شخصاً، وإلحاق أضرار نفسية جسيمة، وتعطيل الحياة اليومية في مدينة "كيليس" الحدودية إلى حد كبير. وبالتالي، تجد أنقرة نفسها الآن منزلقة في حرب استنزاف غير محددة وتبذل جهودا من أجل طمأنة الجمهور الذي يعاني بالفعل الهجمات الإرهابية الكبيرة التي يشنها تنظيم داعش في إسطنبول وأنقرة. وبناءً على ذلك، فإنها، وفقا لكان كاسابوغلو المحلل العسكري في مركز الأبحاث "إيدام" الذي مقره إسطنبول، بحاجة إلى التحلي بمزيد من القدرات لتغيير قواعد اللعبة على الصعيدين الدفاعي والهجومي لمواجهة تهديد الصواريخ الملحّ.

قدرات صواريخ «التنظيم»
تعتبر منظومات الإطلاق المتعددة لصواريخ كاتيوشا هدية رديئة السمعة من المجمع الصناعي العسكري السوفياتي لكثير من ساحات المعارك المعاصرة، بشكل يشبه إلى حد كبير بندقيات "إيه كيه-47". ففي أواخر أربعينيات القرن الماضي، بدأ العمل على تطوير أشكال متعددة للكاتيوشا أصبحت تستخدم غالباً اليوم، وهي "بي إم-21 غراد" عيار 122 ملم البديل لنموذجي 82 ملم و132 ملم اللذين لعبا دوراً مهماً خلال الحرب العالمية الثانية. يُذكر أنه يمكن للكاتيوشا أن تحمل مجموعة متنوعة من الرؤوس الحربية مثل الأجهزة المتشظية الشديدة الانفجار وقنابل الدخان والقنابل العنقودية، حتى الألغام المضادة للدبابات. وبشكل عام، يبلغ مداها العملياتي نحو 20 كيلو مترا.
وقد حصل تنظيم داعش على أغلبية ترسانته من صواريخ الكاتيوشا من خلال استيلائه على هذه الأنظمة من القوات الحكومية في سورية والعراق، على الرغم من أنه يمتلك أيضاً خط تعديل وإنتاج مزدهرا خاصا به. ويستند هذا المنطق التكتيكي الكامن وراء حملة الصواريخ قصيرة المدى التي يشنها "التنظيم" ضد تركيا إلى تنقلية القوة النارية وتركيزها. ويتم نقل صواريخ الكاتيوشا التي يملكها على منصات أبعادها 4×4 أو 6×6 ذات قدرة حركية فائقة، ما يجعل حمايتها أسهل بكثير عن طريق النقل السريع. كما أن الصواريخ ذاتها تتمتع بإشارات منخفضة نسبياً، بحيث يصعب كشف عمليات الإطلاق. حتى إنه يمكن أن يتم إطلاق الكاتيوشا من قاذفات مجهزة تسير على سكك حديدية مع جهاز توقيت بحيث لا تشمل العملية أي فريق إطلاق. إضافة إلى ذلك، في الوقت الذي تفتقر فيه سلسلة "بي إم-21 غراد" إلى الدقة، إلا أنه يمكنها أن تركز قوة نيرانها الشديدة على ضرب التشكيلات العسكرية أو التسبب بالخوف في المناطق الحضرية.

تهديدات كيميائية وحرارية
على الرغم من أن تهديد الصواريخ التقليدية يتسبب بالفعل في مشكلات ضخمة، إلا أن أنقرة لم تواجه بعد أسوأ السيناريوهات. أولاً، لا ينبغي التقليل من خطر استخدام "التنظيم" للصواريخ التي تحمل رؤوسا كيميائية. إذ تم تصميم بعض تشكيلات الرؤوس الحربية لصاروخ "بي إم-21 غراد" خصيصاً لتوفير غازي الأعصاب "في إكس" و"السارين" "نحو ثلاثة كيلو جرامات في كل رأس حربي من عيار 122 ملم"، وكذلك سيانيد الهيدروجين. كما أنّه من المسلّم به إلى حد كبير أن اتفاق نزع الأسلحة الكيميائية ما بين واشنطن ودمشق لم يحقق هدفه، إذ إن جزءاً من الترسانة الكيميائية لنظام الأسد لا يزال سليماً، وقد سبق أن أثبت تنظيم داعش أنه يطرح تهديداً ملموساً بالأسلحة الكيميائية من خلال استيلائه على مخزون الكلور في سورية وغاز الخردل في العراق.
ويقيناً، يضيف كاسابوغلو، أن "وجود نماذج من صواريخ "بي إم-21 غراد" التي تحمل أسلحة كيميائية في ترسانة "التنظيم" لا يزال أمراً غير مؤكد، وأن أي استعمال فعلي لهذه الأسلحة ضد تركيا سيؤدي إلى انتقام هائل، وربما حتى من "حلف شمال الأطلسي" (الناتو)". ولكن، نظراً إلى العقلية المروّعة والمعروفة لتنظيم داعش وإلى المعرفة بوجود مثل هذه الأسلحة وسط مناطق الحرب التي لا تنفك تشهد تبدلات مستمرة، لا ينبغي التقليل من الخطر المطروح.
ثانياً، إذا كان تنظيم داعش قادراً بطريقة أو بأخرى على الاستيلاء على الرؤوس الحربية الحرارية "القنابل الفراغية" في سورية، فإن عدد الضحايا في تركيا يمكن أن يزداد إلى حد كبير. فالقنابل الفراغية تعمل بطريقة مختلفة جداً عن الرؤوس الحربية التقليدية الشديدة الانفجار. وهذه الأسلحة الوقودية - الهوائية تسبب أضراراً قاتلة من خلال سحب الأوكسجين من المنطقة المستهدفة، ما تُحدث حرقا قويا وضغطا زائدا مكثفا. وقد استخدمت القوات الروسية هذه الأسلحة لتأثيرها المدمر في المناطق الحضرية في الشيشان؛ وتشير أدلة مرئية إلى أن موسكو استخدمت عدداً غير معروف من منظومات الإطلاق المتعددة للصواريخ الحرارية من طراز "تي أو إس- 1 إيه" في ساحة المعركة السورية. وتحمل أنظمة "تي أو إس-1 إيه" 24 صاروخاً عيار 220 ملم على هيكل دبابة من طراز "تي- 72" ويمكنها إطلاق عديد من القذائف الهائلة في أقل من عشر ثوان. وعلى الرغم من أن المنظومة تضم مجموعة ذات مدى أقصر من مدى "بي إم - 21"، إلا أن آثارها المدمرة في المناطق التركية المأهولة يمكن أن تكون كارثيةً.
ودون أدنى شك، سيواجه "التنظيم" صعوبة كبيرة في الاستيلاء على أنظمة "تي أو إس- 1 إيه" من القوات الروسية المنتشرة في سورية. ومع ذلك، ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2015، ظهرت أدلة مرئية تشير إلى أن قوات الجيش السوري كانت تستعمل مثل هذه الأسلحة أيضاً، وهو أمر مثير للقلق نظراً إلى أن تنظيم داعش قد أثبت أنه مستعد للاستيلاء على أنظمة قوية أخرى من يد النظام وقادر على القيام بذلك.
كيفية مواجهة التهديد الصاروخي
من وجهة نظر عسكرية، تحتاج تركيا إلى مزيج جيد من القدرات الهجومية والدفاعية لمواجهة إطلاق الصواريخ من قبل تنظيم داعش وردعه من القيام بذلك. ومن ناحية العقيدة، تندرج هذه الجهود تحت عنوان عمليات "مكافحة القذائف الصاروخية والقذائف المدفعية والهاون"، مقارنة بالدفاع بالصواريخ الباليستية، وهو أمر لطالما أساء كثيرون في المجتمع المعني بالاستراتيجيات التركية فهمه. فحماية القوات العسكرية والسكان المدنيين من القذائف قصيرة المدى تتطلب رد فعل ممتازا في الوقت المحدد فضلاً عن قدرات قوية في الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع.
في ضوء هذا التحدي، يمكن لقدرات الطائرات بدون طيار المسلحة أن تُثبت أنها تشكل رصيدا مهما. فقد أعرب إسماعيل ديمير رئيس هيئة المشتريات العسكرية في تركيا، في الآونة الأخيرة عن الحاجة إلى السيطرة على مثل هذه الأنظمة من أجل التصدي لتهديد صواريخ تنظيم داعش. لكن، في حين إن البرنامج التركي الواعد للطائرات بدون طيار قد أظهر تحسينات مثيرةً للإعجاب في اختبار منصتي "بيرقدار" و"أنكا"، أصبح تهديد الصواريخ وشيكاً وباتت هناك حاجة إلى القدرات القوية للطائرات الهجومية من دون طيار.

تركيا تحتاج إلى شركاء
التطورات الأخيرة في الحرب في سورية أظهرت من جديد لأنقرة قيمة التحالف الاستراتيجي التركي-الأمريكي، حتى التعاون العسكري التركي-الإسرائيلي. ففي ظل غياب رادع جوي تركي فوق سورية، كانت الطائرات الأمريكية المسلحة من طراز "إي - 10" و"إم كيو- 1 بريداتور" من دون طيار تقلع من قاعدة "إنجرليك" الجوية لضرب أهداف تنظيم داعش عبر الحدود. كما تنشر الولايات المتحدة منظومات صواريخ مدفعية ذات قدرة عالية على الحركة من طراز "هيمارس" في تركيا للرد على هذا التهديد. إلى جانب ذلك، لو لم تتراجع علاقات أنقرة مع إسرائيل في السنوات الأخيرة قبل محاولتهما الأخيرة للتقارب، لكان من المرجح أن يعطي الأتراك الأولوية لعمليات شراء سريعة لطائرات مسلحة من دون طيار ولبطاريات منظومة "القبة الحديدية" التي تتمتع بمعدل اعتراض ضد الصواريخ يبلغ 90 في المائة. وكما هو الوضع حالياً، من غير المرجح أن تقوم تركيا بمثل هذه المشتريات من إسرائيل على المدى القريب.
ويخلص كاسابوغلو الأستاذ الزائر سابقا في "كلية الدفاع" التابعة لـ "حلف شمال الأطلسي". في تقريره إلى أنه سواء اعتمدت أنقرة على الشركاء الأجانب أو على عمليات البحث والتطوير المحلية أو على مزيج من الاثنين، تحتاج أنقرة إلى الرد بسرعة على التحدي الإرهابي الذي يتحول من صراع غير كثيف جداً إلى تهديدات بخوض حرب هجينة. فخصوم تركيا من غير الدول يعملون على تحسين قدراتهم بمنظومات صواريخ متحركة وصواريخ موجهة مضادة للدبابات وأنظمة دفاع جوي محمولة على الكتف. وفي ظل هذه الظروف، فإن عمليات التكيّف الاستراتيجي مع البيئة الأمنية الجديدة وتنفيذ التغييرات المطلوبة في القوات المسلحة التركية أمور في غاية الأهمية.