كيف سيكون شكل العالم في عام 2030 ؟

كيف سيكون شكل العالم في عام 2030 ؟
كيف سيكون شكل العالم في عام 2030 ؟

إلى أين يتجه العالم؟ هذا هو السؤال الذي يجيب عنه التقرير المعنون "الاتجاهات العالمية في عام 2030: هل يمكن للاتحاد الأوروبي مواجهة التحديات المقبلة؟" الصادر من مؤسسة (النظام الأوروبي لتحليل السياسة والاستراتيجية)، وهي إحدى المؤسسات الداخلية المستحدثة في الاتحاد الأوروبي، وتقدم المشورة فيما يتعلق بالسياسات المتوسطة والبعيدة المدى لمؤسسات الاتحاد الأوروبي.

ويُقدم التقرير وفقا للمركز الاستراتيجي للدراسات رؤية شاملة لشكل العالم خلال الـ 15 عامًا المقبلة، واعتمد التقرير في بياناته على التقارير الصادرة من معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (EUISS)، إضافة إلى عديد من التقارير الصادرة من مؤسسات دولية مختلفة، وقد صدر التقرير في عام 2015.

التغيرات في السياق العالمي

شهد العالم عديدا من التغيرات منذ تسعينيات القرن الماضي التي لا تزال آثارها حاضرةً حتى اليوم؛ حيث تصاعدت قوةُ الاقتصادات القائمة على استخدام التكنولوجيا، مع انتشار الشركات الناشئة Startup Companies التي استطاعت أن تُحقق نجاحًا ملحوظًا في عديد من أنحاء العالم، وحدث تغير واضح من ناحية القدرة على ابتكار أدوات عديدة للضغط السياسي، وتفضيل الأفراد للحشد والعمل بعيدًا عن التنظيمات التقليدية كالاتحادات العمالية والنقابات وغيرها.

وكذلك تصاعدت قوةُ "الفاعل الفرد" وهو ما أدى إلى أن يأتي التغيير من أسفل (bottom-up) في كثيرٍ من الأحيان بدلا من أن يأتي التغيير من القيادات العليا، وبدلا من أن تُصبح الدولة هي المسؤول الرئيس عن قيادة عملية التنمية في إطار ما يعرف بـ "الدولة التنموية" ظهر أيضًا ما يُعرف بـ"الأفراد التنمويين". في المقابل حدث تهميش لقطاعات مجتمعية أخرى في ظل عدم قدرتهم على الوصول إلى الفرص نفسها وتوافر التكنولوجيا لهم.

من ناحية أخرى، تزايدت التهديدات غير التقليدية التي تُواجهها الدول، واتسمت بكونها أكثر تعقيدًا مع صعوبة التنبؤ بها، ولعل من أبرز هذه التهديدات التغيرات المناخية التي أدت إلى حدوث اضطرابات سياسية متعددة، وتزايد نسب الخسائر الاقتصادية، والزيادة في نسب "اللاجئين البيئيين"، فيما استمرت التهديدات التقليدية في الانتشار، وأصبحت تحتاج إلى آليات أكثر تعقيدًا لمواجهتها.

الاتجاهات العالمية في 2030

على الرغم من صعوبة عملية التنبؤ في عالم يحكمه التعقيد وعدم التيقن؛ فإن التقرير قد قام بتحديد عدد من الاتجاهات من المرجح أن يتجه العالم إليها في عام 2030:

1 - مستقبل الدول العربية: استعرض التقرير في بعض أجزائه مستقبل بعض دول الشرق الأوسط، ولا سيما تونس التي رأى أنها ربما تُمثل النموذج الأكثر نجاحًا في المستقبل مقارنةً بباقي الدول العربية، إلا أن هذا النموذج سيظل مهددًا من قبل الجماعات الإرهابية.

كما يرى التقريرُ أن مصر قد نجحت في تحقيق قدرٍ ما من الاستقرار خلال الفترة الأخيرة، إلا أنها سوف تواجه ضغوطًا متزايدة قد تؤدي إلى عودة عدم الاستقرار في البلاد مرةً أخرى وذلك بسبب: احتمالية تأزم الوضع الاقتصادي، وجماعة «الإخوان المسلمين» التي ستسعى إلى العودة للسياسة من خلال زيادة انخراطها في الأنشطة والمؤسسات الخيرية، فيما ستظل المعضلة الأكبر للنظام المصري هي الجماعات المتطرفة النشطة في سيناء.

ويظل الوضع المستقبلي في المملكة العربية السعودية، متوقفا بشكل كبير على نجاح تطبيق "رؤية السعودية 2030".

وعلى خلاف هذا يتوقع أن تزداد حالة عدم الاستقرار السياسي في كلٍّ من الأردن ولبنان، ولا سيما مع تزايد أعداد اللاجئين، ويحتمل أن تؤدي حالة الركود السياسي والوضع الاقتصادي المتردي في كلٍّ من الجزائر والمغرب إلى تزايد حالة الإحباط بين الشباب الحضري.

2 - معضلة الدول الهشة: مع تماهي الحدود الفاصلة بين المحلي والعالمي؛ لم يعد فشل المؤسسات الداخلية وتردي الحالة الأمنية مؤثرًا في الدولة والدول المحيطة بها فحسب، بل امتد تأثيره ليصل إلى النطاق العالمي. إذ إن التقرير يُشير إلى انتشار ما يعرف بالدول الهشة Fragile States، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، وقد أصبح لها تأثير كبير في الأمن العالمي، بعد أن أصبحت هذه الدول بيئة خصبة للصراعات والإرهاب، ولا يُتوقع حدوث تحسن كبير في وضع هذه الدول في ظل فشل (الأدوات الناعمة (Soft Instruments، كالأداة التفاوضية لتسوية النزاعات والأداة الثقافية للقضاء على التطرف وغيرها من هذه الأدوات في التوصل إلى حلول جذرية، ومن ثمّ سوف يزداد اللجوء إلى الأداة العسكرية التي تؤدي في الغالب إلى تفاقم مشكلات هذه الدول.

3 - الهجرة إلى دول الجنوب: على النقيض من المعتاد من اتجاه سكان دول الجنوب إلى الهجرة إلى دول الشمال المتقدمة، من المتوقع أن تشهد السنوات المقبلة تزايد الهجرة بين دول الجنوب وبعضها بعضًا، وهو ما يمكن تفسيره بأن السنوات المقبلة سوف تشهد استمرار الصراعات في الدول النامية، مع تأثر هذه الدول بالتغيرات المناخية بشدة في ظل عدم قدرتها على اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمواجهتها، وهو ما سوف يؤدي بالتبعية إلى زيادة عدد اللاجئين من هذه الدول.
#2#
من ناحيةٍ أخرى، على الرغم من حاجة الدول الأوروبية إلى الأيدي العاملة، فإن صعود اليمين المتطرف، وتصاعد المخاوف لدى المواطنين من تأثير اللاجئين على الاقتصاد، واحتمالية تورطهم في أعمال إرهابية؛ سوف تمنع الحكومات من تبني سياسات بتدفق اللاجئين، ومن ثم فإن دول الجنوب ستصبح الملاذ الأمثل لهؤلاء اللاجئين.

4 - الزيادة السكانية: يتوقع التقرير استمرار انخفاض معدلات الخصوبة في الدول الأوروبية، مع استمرار ارتفاعها في دول أخرى مثل: دول إفريقيا جنوب الصحراء، والهند، ومن ثم قد يصل عدد سكان العالم في 2030 إلى ما يقدر بنحو 8.3 مليار نسمة.

كذلك سوف تستمر القارة الأوروبية في الاحتفاظ بلقب "القارة العجوز"، إذ من المتوقع أن يزيد عدد المواطنين الأوروبيين الذين يبلغون 65 عامًا فما فوق إلى 23 في المائة من إجمالي سكان أوروبا في عام 2030 بدلا من 16 في المائة من إجمالي المواطنين الأوروبيين في عام 2015، كما من المتوقع بشكل غير مؤكد أن يرتفع عدد سكان العالم الذين يزيدون على 65 عامًا ليصلوا إلى ما يُقدر بنحو 13 في المائة من إجمالي سكان العالم، وذلك في خلال الـ 25 عامًا المقبلة.

5 - نمو الطبقة الوسطى: من المتوقع بشكل مؤكد أن يتضاعف حجمُ الطبقة الوسطى بحلول عام 2030، ليصل إلى ما يعادل 1.8 مليار نسمة على مستوى العالم، أي ما سيُعادل 60 في المائة من إجمالي سكان العالم، وسوف تتركز هذه الزيادة في القارة الآسيوية، فيما سوف تنمو الطبقة الوسطى في الشرق الأوسط بدرجة أقل مقارنة بباقي العالم. وتتمتع هذه الطبقة في الغالب بقدرة شرائية ستؤدي إلى تحفيز الاقتصادات، وكامتداد لزيادة حجم الطبقة الوسطى من المحتمل أن تزداد نسب الذين يجيدون القراءة والكتابة إلى 90 في المائة من إجمالي سكان العالم بحلول 2030، مع قدرة 50 في المائة منهم على الوصول إلى الإنترنت بتطبيقاته المختلفة، بيد أن هذه التغيرات سوف تظهر بشكل أقل وضوحًا لدى الطبقة المتوسطة في دول العالم النامي.

6 - الاقتصادات الرائدة: يتوقع أن تهيمن الولايات المتحدة والصين وأوروبا على ما يعادل 55 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول 2030، إلا أن الصين سوف تمتلك أكبر ناتج محلي في العالم، يليها الاتحاد الأوروبي، ثم الولايات المتحدة في المركز الثالث.
كذلك اعتمد التقرير على البيانات الصادرة من البنك الدولي وشركة (برايس ووتر هاوس كوبرز PWC) لمعرفة الدول والتجمعات الاقتصادية التي من المتوقع أن تشهد صعودًا بحلول عام 2030، وقد توصلوا إلى أن المكسيك، وإندونيسيا، وتركيا، ونيجيريا، وفيتنام، سوف تشهد صعودًا من ناحية الناتج المحلي الإجمالي. وعلى عكس التوقعات التي تؤكد أن دول البريكس سوف تشهد صعودًا مطردًا خلال السنوات المقبلة؛ فإن التقرير يؤكد أن هذا التقدم لن يحدث إلا إذا استطاعت دول البريكس الحصول على قدر ما من الاكتفاء الذاتي، وعدم استيراد التكنولوجيا من الدول المتقدمة.

كيف نواجه التحديات المستقبلية؟

يُشير التقرير إلى أنه خلال السنوات المقبلة سوف يشهد العالم ثورة صناعية جديدة في إطار التحول نحو ما يعرف (الاقتصاد الرقمي) Digital Economy، والدول القادرة على البقاء والاستمرار هي تلك الدول التي تمتلك استراتيجية اقتصادية مرنة، ولها قدرة على التكيف مع المخاطر، مع الأخذ في الحسبان ضرورة أن تكون لديها القدرة على التصنيع بكفاءة في مجال البرمجيات، وصحيح أن أغلب الدول تتجه إلى زيادة المخصصات الموجهة للقطاع العسكري، إلا أن هذا يجب أن يتوازى مع زيادة مماثلة في المخصصات الموجهة للقطاع التعليمي، كما يمكن أن يزداد الاعتماد على الأداة الاقتصادية للتأثير في الدول الأخرى.

وفي هذا السياق، يجب على الدول البحث عن أسواق جديدة للاستثمار، وألا تكتفي بالذهاب إلى الأسواق في محيطها الإقليمي، ويضرب مثالا في هذا الصدد بالقارة القطبية التي يشير عديد من الدراسات إلى امتلاكها ما يتراوح بين 15 في المائة و 30 في المائة من احتياطي الغاز والمواد المعدنية التي لم يتم استخراجها بعد، كما تحتوي على أغنى المصايد السمكية في العالم. إجمالا، يتوقع التقريرُ أن العالم يتجه نحو مزيدٍ من التعقيد والتشابك مع استمرار حالة اللاأمن، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، وامتدادها إلى مناطق أخرى في آسيا، وهو ما يتطلب من القادة القدرة على إيجاد سياسات غير تقليدية لمواجهة المشكلات، أو ما أطلق عليه التقرير (سياسة الابتكار policy innovation).

الأكثر قراءة