قصة «الطوق».. ورحلة المخطوطة
يعتبر كتاب "طوق الحمامة" واحدا من أهم الكتب التي تناولت موضوع الحب عبر التاريخ، وحظي بشهرة واسعة وترجم إلى عدة لغات. ألفه العالم الموسوعي الشهير أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد، المعروف بابن حزم الأندلسي (ت 456هـ)، وهو من أشهر علماء وفقهاء عصره في الأندلس، ألّفه تلبية لرغبة صديق محب طلب منه أن يصنف له "رسالة في صفة الحب ومعانيه وأسبابه وأعراضه، وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة". وقد ظل هذا الكتاب والذي توجد منه نسخة وحيدة في حكم المفقود، حتى عثر عليه.
رحلة مخطوطة الطوق:
في عام 1068هـ توفي المؤرخ والجغرافي العثماني الشهير مصطفى بن عبد الله، الشهير بلقب حاجي خليفة، وكاتب جلبي، وكان يملك إحدى أكبر مكتبات تركيا الخاصة، وفيها آلاف المخطوطات والكتب، فجاء مستشرق هولندي يعيش ويعمل في تركيا سفيرا لهولندا اسمه فون وارنر، واشترى منها قرابة ألف مخطوطة، من بينها مخطوطة طوق الحمامة لابن حزم، وذهب بها إلى هولندا ثم أهداها لاحقا إلى مكتبة جامعة ليدن الشهيرة في هولندا. لكنه لم يكن يعرف كنه هذه المخطوطة، ولا مؤلفها، وكان أول من اكتشف المخطوطة هو المستشرق الشهير دوزي. يحدثنا الدكتور الطاهر مكي عن ذلك فيقول: "مع مطلع القرن التاسع عشر، عهدت جامعة ليدن إلى عدد من المستشرقين فهرسة المخطوطات العربية التي تملكها، وكان من نصيب المستشرق الهولندي رينهارت دوزي، المتخصص في الدراسات الأندلسية، أن يكتشف نسخة طوق الحمامة، وأن يُعرف العالَم بها، في أول طبعة تصدر لفهرسِ المخطوطات العربية في الجامعة، وحمل وصفُ المخطوطة رقم 461، من مجموعة وارنر". ويقول الأستاذ زهير ظاظا عن دوزي: "فعكف على دراستها وأفاد منها كتابه (تاريخ مسلمي الأندلس) الذي نشره عام 1861 فأقبل المستشرقون الإسبان على الاحتفاء بطوق الحمامة، فكانت لهم في خدمته وترجمته لمختلف اللغات الأوروبية إسهامات جليلة، عرفها لهم الدكتور الطاهر أحمد مكي في مقدمته الجليلة لكتاب طوق الحمامة والتي جاءت في 375 صفحة وطبعت مستقلة عن (طوق الحمامة)، ومن تلك الأعمال الترجمة الإسبانية لطوق الحمامة التي أنجزها جرسيه جومث، وقدم لها الفيلسوف الإسباني الشهير أورتيجا إي جاسيت، وصدرت الطبعة الأولى منها عام 1952، وقد تتبع جرسيه جومث في مقدمته أثر طوق الحمامة في كتب العشق والعشاق العربية، وأثبت فيها أن ابن الجوزي لم يسمع بالكتاب، وأن ابن القيم استفاد منه معظم مواده من غير أن يسميه، وأن ابن أبي حجلة نقل منه نقولات جمة في (باب: علامات الحب) وأن صاحب نفح الطيب رجع إليه في نسخة تخالف النسخة التي بين أيدينا. قال د. الطاهر: (وقد حطم ابن حزم في كتابه هذا كل الحياء المصطنع، وأتى على كل الأسوار العالية التي تعزل الفقه عن الحياة). وانظر مجلة العرب (س3 ص227 و713) وفيها بحث مستفيض عن طوق الحمامة وعناية المسستشرقين به. وفي حزيران (يونيو) 1963 أقيم لابن حزم نصب تذكاري في قرطبة، عند باب أشبيلية، كتب على قاعدته بالخط الكوفي: (بمناسبة الذكرى المئوية التاسعة لوفاة أبي محمد علي بن أحمد بن حزم تقدم قرطبة أصدق التحية لمن تعتبره ابنا من أعظم أبنائها)".
#2#
طبعات الكتاب:
في عام 1914 نشر المستشرق الروسي الشاب بتروف النص العربي لطوق الحمامة كاملا، وتعد هذه الطبعة أصل الطبعات التي جاءت بعدها، حيث طبع الكتاب من جديد عام 1930 في مكتبة عرفة بدمشق، ثم صدرت الطبعة الثالثة عام 1949 في الجزائر، وفي عام 1950 صدرت طبعة جديدة في القاهرة، كما طبع عام 1959 في القاهرة بتحقيق حسن كامل الصيرفي طبعة جيدة، ثم جاءت طبعة دار المعارف المصرية عام 1975، بتحقيق الدكتور الطاهر أحمد مكي، ولعلها أفضل الطبعات.