الخطوات الثلاث للهيمنة على السوق
لا ترغب أي شركة في المنافسة الكاملة، التي يصعب التعامل معها ولا يوجد منها أي عائد مادي. فالمنافسة الكاملة تقود إلى تراجع هامش الربحية إلى ما يقرب الصفر. وتسعى الشركات بدلا من ذلك إلى الهيمنة على السوق، والبقاء خارج نطاق المنافسة، ومن الناحية المثلى أن تكون الأكثر ربحية. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ أو ليست المنافسة هي المعيار في عالم السلع والخدمات غير الحصرية؟ أم أن هناك طريقة أخرى؟ وبعبارة أخرى: هل هناك صيغة للهيمنة على السوق؟
هيمنت الشركات على السوق عبر الفترات الماضية من خلال اتباع ممارسات احتكارية تقليدية تقوم على تقييد الوصول للسلعة، وتحديد الأسعار والتلاعب بها. يعتبر هذا بالأسلوب الجيد عند امتلاك أصول حصرية أو براءات اختراع. وبالنظر إلى قطاع الأدوية، بإمكانه أن يتباهى بأرباحه الضخمة والاستفادة من براءات الاختراع طويلة الأجل التي تحميهم من ظهور منتجات منافسة من قبل لاعبين آخرين. ولكن هل هذا هو الحال بالنسبة إلى معظم الشركات اليوم؟ الجواب هو بالنفي.
في اقتصاد المعرفة الذي يرتكز اليوم على الأفكار عوضا عن الموارد، تعد الممارسات الاحتكارية التقليدية بالكاد فاعلة. فكل شيء بالإمكان تكراره أو تقليده تقريبا، وفي كثير من الأحيان بشكل أفضل وأرخص. فهل حلم الهيمنة على السوق لا يزال ممكنا؟ تأتي الإجابة هنا بـ "نعم"، فمجرد التفكير في نجاح "ستاربكس" بإعادة تعريف المكان التقليدي للقهوة، أو كيفية تمكن "كيرف" من النجاح على الرغم من المنافسة العالية في قطاع اللياقة البدنية؟. لم تبنَ هذه الشركات بشروط الشركات الاحتكارية التقليدية نفسها. ولكن يتفق الجميع على أن أنها تسيطر على السوق في مجالها. فكيف نجحوا في تحقيق ذلك؟
ما وجه الشبه بين هذه الشركات وغيرها ممن خلقوا محيطاتهم الزرقاء؟ هل استفادت من ديناميات السوق في ابتكار قيمة. نجد خروج استراتيجياتها عن المألوف في ثلاثة جوانب مهمة:
1 - قاموا بتحسين الطلب على منتجاتهم وخدماتهم من خلال إحداث طفرة في القيمة التي يقدمونها.
2 - قاموا بوضع سعر استراتيجي حيث لا يرغب الناس في شراء المنتج أو الخدمة فقط، ولكن بإمكانهم تحمل تكاليفها أيضا.
3 - خفضت متوسط التكلفة على المدى الطويل، وبذلك استطاعت الشركة زيادة فرص ربحها، وأحبطت عمليات التقليد في الوقت الذي تقدم فيه للمشترين طفرة في القيمة بسعر استراتيجي.
يلي ذلك ديناميكيات السوق التي تحقق ربح كلا الطرفين، حيث يعتبر كل من الشركات والعملاء رابحين. ويستفيد المجتمع من تحسين الكفاءة، بسبب التركيز على خفض التكاليف، ليس فقط في المرحلة الأولية، لكن مع مرور الوقت أيضا.
تحدد الممارسات الاحتكارية التقليدية من جهة أخرى الأسعار المرتفعة، وكذلك استراتيجية التسعير التي تقوم من خلالها الشركات بالتلاعب بأسعار منتجاتها، ما يحد من القدرة الشرائية. ولكن في الوقت نفسه وبسبب غياب المنافسة في السوق، غالبا ما تفشل الشركات في التركيز على الكفاءة وخفض تكاليفها، وبالتالي تستهلك مزيدا من الموارد. ويتم تحميل التكاليف العالية على المستهلكين ما يؤثر فيهم بشكل عكسي. إضافة إلى عدم استغلال موارد المجتمع بكفاءة، وتكبيد الاقتصاد خسائر كبيرة. وبما أن الممارسات الاحتكارية التقليدية تعمل في معظم الحالات ضد مصلحة المستهلك والاستخدام غير الفعال للموارد، هناك لوائح تطبق ضدها مع وجود بعض الاستثناءات، مثل تلك الممنوحة لقطاع الأدوية وقطاع صناعة التكنولوجيا المتطورة، حيث تشجع براءات الاختراع الاستثمارات على المدى الطويل في مجال البحوث والتطوير وبالتالي الاحتكار.
خلاصة القول هنا: الهيمنة على السوق من خلال الممارسات الاحتكارية تأتي على حساب المجتمع والمستهلكين. وفي المقابل فإن ابتكار قيمة من شأنه أن يخلق الرضا لجميع الأطراف. لهذا السبب يميل المستهلكون إلى الشركات التي تعمل وفقا لذلك.
بالنظر إلى زابوس، الشركة التي تحقق ابتكار قيمة وهيمنت على السوق في قطاع مشبع، من خلال بيعها منتجا يعتبر سلعة رائجة: ألا هو الأحذية.
كان من السهل أمام "زابوس" عند تأسيسها في عام 1999، أن تصبح واحدة من عديد من المخازن الإلكترونية وأن تستفيد من فقاعة "دوت كوم". لكن لم يكن ذلك هدفها. وركزت الشركة عوضا عن ذلك على تقديم قيمة من خلال الجمع بين أفضل المتاجر التقليدية لبيع الأحذية، وأفضل متاجر التجزئة على الإنترنت. تخسر محال البيع التقليدية ثلث مبيعاتها بسبب عدم توافر القياس المناسب للعميل. بدلا من ذلك طرحت "زابوس" مجموعة كبيرة من الأحذية، بمختلف المقاسات والألوان. ولكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث قدمت "زابوس" خدمة أفضل للعملاء، من حيث السرعة في التوصيل، وسياسة استرجاع سهلة ومجانية، وفرت "زابوس" بذلك الفرصة للاختيار والسهولة في التعامل، وتجربة تسوق مصممة خصيصا للعميل، وهي مزايا غير موجودة في المتاجر التقليدية أو مواقع التسوق الأخرى.
لم ترفع "زابوس" السعر على الرغم من هذه القفزة النوعية في القيمة. وقامت بوضع سعر استراتيجي لجذب عدد أكبر من المشترين، وخلق اعتراف بالعلامة التجارية على طول الطريق. سمح لها هذا المزيج من القيمة وسياسة التسعير الاستراتيجية، بحصولها على قاعدة عملاء قوية، مع تحول المشترين من مجرد كونهم عملاء إلى معجبين بخدماتها.
استثمرت "زابوس" في النهاية في مستودع مجهز بأحدث التجهيزات، بدلا من دفع تكاليف باهظة للحصول على موقع متميز في مركز للتسوق. وبهذه الطريقة كان بإمكانهم الاحتفاظ بالبضائع وتسليمها للعملاء في وقت أسرع، دون الاعتماد على الشركة المصنعة. ووفرت تكاليف باهظة من خلال التحول من طرق التسويق التقليدية إلى التسويق على الإنترنت. كما ساعد تطوير خاصية البحث وسياسة التسويق على جعل الموقع أقل تكلفة وأكثر فعالية. وفي مقدمة ذلك استفادت "زابوس" من آراء عملائها الذين أصبحوا فيما بعد أكبر المعجبين بخدماتها. وأخيرا، طورت "زابوس" ثقافة غير اعتيادية للشركة، مع ضمها موظفين أصحاب كفاءة، وأكبر معدل استبقاء للموظفين في هذا القطاع. مكنت جميع هذه الإجراءات "زابوس" من خفض متوسط التكاليف في المدى الطويل وتحسين هامش الربح.
في حالة "زابوس" فإنها قامت بتقديم قيمة استثنائية حولت عملاءها إلى معجبين بخدماتها، على غرار شركات المحيط الأزرق. وهذا هو السبب في أن أكثر من 75 في المائة من زبائنها يعيدون عملية الشراء، وأن الشركة حققت أكثر من ملياري دولار أمريكي من مبيعات 2015. وفي الوقت ذاته، قامت بوضع سعر استراتيجي واستخدمت نموذج عمل فريدا من نوعه، الذي لا يضمن لها هامش ربح جيد فقط، بل يجعل من الصعب منافستها. في نهاية الأمر، تلك غاية استراتيجية المحيط الأزرق: لا تنشغل بالمنافسة؛ بل اجعلها مستحيلة.