سعود الفيصل .. مسيرة 50 عاما حافلة بالعطاء والإنجاز
لم يكن الأمير سعود الفيصل بن عبدالعزيز شخصا عاديا، بل كان من الرجال القلائل الذين عركتهم الحياة؛ عُرف عنه نجاحه وتميزه في المناصب التي تقلدها، وكثير من المهام التي أُوكلت إليه، والأعمال التي تولّى الإشراف عليها.
عرف العالم الأمير سعود الفيصل على مدى 40 عاماً متنقلاً بين عواصمه ومدنه شارحاً سياسة وطنه، وحاملاً لواءه، ومنافحاً عن مبادئه ومصالحه ومبادئ ومصالح أمته العربية والإسلامية، مضحياً في سبيل ذلك بوقته وصحته، كما عُرف عنه الإخلاص في العمل، والأمانة في الأداء، والولاء للدين والوطن، فكان لوطنه خير سفير، ولقادته خير معين.
#2#
أفنى الأمير سعود الفيصل جُلّ حياته، وزهرة شبابه، مجاهداً في تحمّل أعباء ومسؤوليات السياسة والدبلوماسية السعودية، خدمةً لدينه ووطنه وعقيدته ومليكه وأمته العربية والإسلامية، بل في خدمة قضايا العدل والأمن والسلام في العالم، يجسّد في ذلك توجّه وسياسة المملكة التي كانت تقف دائماً من جميع القضايا الدولية موقف الحق والعدالة والإنصاف.
###مسيرته العملية
تدرّج في العمل الحكومي، فتقلد كثيراً من المناصب والمسؤوليات والمهام السياسية والدبلوماسية، وتوالت مواقفه المؤثرة وإنجازاته خلال مسيرته العملية التي بدأت بالتحاقه بوزارة البترول والثروة المعدنية؛ إذ عمل بعد إنهاء دراسته الجامعية مستشاراً في وزارة البترول والثروة والمعدنية، وعضواً في لجنة التنسيق العليا في الوزارة.
###المؤسسة العامة للبترول والمعادن
بعد ذلك انتقل الأمير سعود الفيصل إلى المؤسسة العامة للبترول والمعادن "بترومين"، وأصبح مسؤولا عن مكتب العلاقات البترولية الذي يشرف على تنسيق العلاقة بين الوزارة و"بترومين" في 1386/2/26هـ، ثم عُين نائباً لمحافظ "بترومين" لشؤون التخطيط في 1390/1/14هـ الموافق 1971/6/15م.
###وزارة البترول
وعيّن الأمير سعود الفيصل نائباً لوزير البترول والثروة المعدنية بين عامي 1971 و1974م.
###وزارة الخارجية
التحق الأمير سعود الفيصل بوزارة الخارجية في عهد والده الملك فيصل - رحمهما الله -، وعمل إلى جانب عمر السقاف وزير الدولة للشؤون الخارجية، وتسلّم مهام وزارة الخارجية طوال المدة من "1395 - 1436 هـ"، أي ما يزيد على 40 عاما، ويعدّ ثالث وزير للخارجية السعودية في العهد الحديث، بعد والده الملك فيصل بن عبدالعزيز، واعتلى فيها كرسي الوزارة الأكثر حساسيةً، وقاد خلالها الدبلوماسية السعودية بكل كفاءة واقتدار، في ظل أحداث وتحولات سياسية كبيرة، بذل خلالها جهوده لحماية مصالح الوطن، وكان صلباً في الذود عنه وعن أمتيه العربية والإسلامية، كما أسهم بجهده ووقته في مواجهة كثير من التحديات والتهديدات، واستطاع بما عُرف عنه من حنكة وحكمة أن يجنب المملكة كثيراً من سلبيات تلك الأحداث والأزمات.
#3#
###مبعوثا لخادم الحرمين
في 1436/7/10هـ صدر أمر ملكي بتعيينه وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء ومستشاراً ومبعوثاً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين ومشرفاً على الشؤون الخارجية، حتى وافاه الأجل يوم الخميس 1436/9/22هـ الموافق 2015/7/9م.
###المهام واللجان
أُوكل إليه كثيرٌ من المهام، منها تسميته نائباً لرئيس المجلس الأعلى للإعلام، وعضواً في المجلس الأعلى للبترول، وعضواً في مجلس الإدارة المنتدب للهيئة الوطنية للحياة الفطرية.
وبحكم عمله وزيراً للخارجية كان عضوًا في كثير من اللجان العربية، مثل اللجنة العربية الخاصة بلبنان، ولجنة التضامن العربي، واللجنة السباعية العربية، ولجنة القدس، واللجنة الثلاثية حول لبنان "ضمن وزراء خارجية الدول الثلاث"، وغيرها.
###القمم والاجتماعات
ترأّس الأمير سعود الفيصل وفد المملكة في عددٍ من اجتماعات القمة، سواء العربية أم الإسلامية، نيابةً عن خادم الحرمين الشريفين، إضافةً إلى رئاسته الدائمة وفد المملكة لاجتماعات وزراء الخارجية العرب والمسلمين، واجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية على مدى العقود الأربعة التي قضاها وزيراً للخارجية.
###إنجازاته
من إنجازاته التي لا تُنسى أنه ساعد عام 1989 في التفاوض على اتفاق وضعت بمقتضاه الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً أوزارها.
###وفاته
عانى سعود الفيصل آلاماً حادة بعد إصابته بمرض "باركنسون"، ويعد أحد الأمراض العصبية، ويؤدي إلى مجموعة من الأعراض أهمها الرعاش، وبطء الحركة، إضافة إلى التصلب أو التخشب الذي ينتج عنه فقدان الاتزان.
ترجّل الأمير سعود الفيصل من قمة هذه المسؤولية مرهقاً بدواعي الظروف الصحية التي عاناها كثيراً في آخر أيام حياته، ومع ذلك، وحتى اللحظات الأخيرة، فقد كان يحمل هموم وطنه وأمته، فلم تغب عن فكره وعقله حتى غيّبه الموت، مخلفاً وراءه سيرة عطرة حافلة بالعطاء والإنجاز والتفاني والإخلاص أمام واجبات المسؤولية، وتاركاً إرثاً من الفكر والمنهاج والتجارب العميقة، لتبقى مسيرته العملية مرجعاً من أهم مراجع التعامل مع القضايا السياسية والدبلوماسية في وقت الأزمات وفي الحرب والسلم.
#4#
وحقّق ما قام به الأمير سعود الفيصل خلال عمله السياسي والدبلوماسي إنجازات محورية بين السعودية ودول العالم في المجالين الاقتصادي والتجاري، ومكّنها من إبراز ثقلها اقتصادياً في العالمين العربي والإسلامي، بصفتها أكبر دولة مصدرة للبترول؛ حيث استطاع أن يستخدم قوة الحوار مع بلدان منظمة التجارة العالمية.
ومكّن السعودية من الانضمام إلى عضوية المنظمة من دون أن تتنازل عن أي مبدأ من المبادئ التي كانت تطالب بها منظمة التجارة العالمية، التي رفضت انضمام المملكة إليها رغم المحاولات التي استمرت أكثر من عشر سنوات، وعند إسناد مهمة وزارة الخارجية إلى الأمير سعود الفيصل تمكّنت المملكة من الانضمام إلى هذه المنظمة؛ إذ إن الدور السياسي والدبلوماسي له علاقة وانعكاس على الدورين التجاري والاقتصادي؛ حيث أصبحت السوق السعودية مفتوحة لجميع الواردات والصادرات من أنحاء العالم بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وهو ما لم يتحقق إلا بفعل الدور السياسي والدبلوماسي الذي قام به الفقيد.