الخلاوي الذي لا يكذب
تقول الرواية الشعبية، إنه عرف عن الشاعر راشد الخلاوي الصدق وعدم الكذب، وقد حاول بعضهم إيقاعه في الكذب لكنه كان يتخلص من الموقف بذكاء شديد وردود حكيمة، وقد أورد ابن خميس بعضها.. من ذلك أنه سافر عن قومه وهم يتهيأون للرحيل في رغاء وثغاء وضوضاء، فسأله من قابله في الطريق: هل رحل قومك؟ فأجاب: "شَدوا ولا مَدوا ورأي البدو بدوات"، يعني أنني تركتهم يرحلون إبلهم، أما أنهم ساروا فلا أستطيع الجزم بذلك، فكثيرا ما تعن للبدو خواطر، وبدوات، تصرفهم عن عزمهم.
وبعثه قومه رائدا يرتاد لهم الكلأ، فوجد أرضا مخصبة، تأزرت بعميم النبت واتشحت، قد اختلفت أزهارها وصدحت أطيارها، وخشية من أن يخالفه عليها الجراد فيلتهمها ويكذب قومه.. عمد إلى (جاعد) قطعة من أدم مدبوغة، وغطى بها الجزء الذي يستوعبه من العشب، وأثقل أطرافه بالحجارة، وعاد إلى قومه يدعوهم إلى المرعى الخصيب، غير أن الجراد كان أسرع من القوم، فالتهم المرعى، فوجدوا ذلك مغمزا ليكذبوه، ولكنه دعاهم إلى ما تحت الأديم ليتبين لهم صدقه وحذقه في احتياطه لنفسه.. ثم قال:
أصاب الحيا يامير عقبي وقبلكم
تهامية نحيا بعيد مديدها
إلى نزلت في منزل امحلت به
وتالد ويظهر من تراب وليدها
ولإيقاعه في الكذب عمدوا إلى ناقة سليمة فطلوا جنبها بالطلاء الذي يعالج به الجرب، وساقوها تجاه الطريق الذي سيعود منه الخلاوي بعد قنصه.. ولما عاد سألوه: هل رأيت الناقة الجرباء التي هذه صفتها وهذه صفتها في طريقك؟ فقال: رأيت ناقة تحمل الصفة التي ذكرتم، ومطلية، أما أنها جرباء فلا علم لي بذلك. ومثل هذه الروايات تتكرر كثيرا في كتب التراث العربي منذ القدم، ويغلب عليها المبالغة، والصنعة أحيانا، لكنها من أحاديث السمر المسلية.