هل لديك خطة مهنية؟

هل لديك خطة مهنية؟ أوجه هذا السؤال لكل من يعتقد أن فرصة التطوير ما زالت متاحة أمامه. وهذا يعني أنه موجه للجميع؛ من يظن أن الفرص رحلت عنه فهو مجانب للصواب، سواء كان موظفا على وشك التقاعد أو شابا يظن أنه لم يعد يملك حريته في مكان عمله. تتنوع خيارات العمل والأداء للخريج والخبير على حد سواء، ونتنقل بين جهات العمل بين حين وآخر، ويتقاعد اليوم من هو في أوج مرحلة العطاء، ومع ذلك يفوت الكثيرون مميزات التخطيط والاستعداد المبكر متجاهلين خريطة الطريق نحو التميز المهني.
لم أجد إحصائيات محلية تتحدث عن نسبة الذين يقومون بالتخطيط المهني أو الذين يقدرون أهميته لمستقبلهم الوظيفي، ولكن على المستوى الدولي تذكر بعض الأرقام أن الذي يتخذون قراراتهم الوظيفية بناء على خطط ومعلومات مقننة لا يتجاوزون الـ 30 في المائة، بينما يعتمد الباقون على الحظ ويترك مصيرهم للظروف. لا داعي لتوقع أن النسبة محليا أقل من ذلك، وهي تختلف دون أدنى شك حسب المرحلة، فالوعي الوظيفي يختلف عند الخريج الجديد عن الموظف الذي جرب العمل لبضع سنوات ورأى بعض الحالات الإيجابية والسلبية من حوله.
في الحقيقة المشكلة أعمق من ذلك، هناك من لا يعرف ما هو التخطيط المهني وماذا يعني وجود خطة مهنية في حياته، وهناك من يقاوم الفكرة ولا يسمح لنفسه أصلا بتصديق جدواها. وهذا عنصر مؤثر بشدة، نحن نقاوم الأفكار الجيدة حين لا نعرفها ولا نعرف كيف تؤثر في حياتنا. تتعدد أشكال المقاومة، فهناك من يثير السخرية من هذه الأفكار، وهناك من يقاوم انتشارها ويحاربها، وهناك من يدعي الجدية ويتجاوز هذه الأدوات معتقدا بأنها مجرد أدوات جانبية يمكن الاستغناء عنها مقللا من دورها وتأثيرها.
أسباب غياب التخطيط المهني لدى المقبلين على العمل والموظفين كثيرة، منها قلة الوعي المهني عند المربيين ـــ معلمين وآباء ـــ وتأثير هذا طبيعي ففاقد الشيء لا يعطيه. إضافة إلى غياب المرشدين المهنيين وضعف فاعلية مكاتب الإرشاد والتوجيه داخل المنظمات التعليمية والتدريبية ناهيك عن تدهور حالة البناء الوظيفي داخل عدد ضخم من مؤسساتنا المحلية الحكومية والأهلية. نعم، التطوير موجود والتغيير حاصل، ولكن هل يحصل بالسرعة المطلوبة؟ لا أعتقد، فالكثير من البرامج والخطط لا تزال قيد الدراسة وما يتم تنفيذه يحصل في نسخ تجريبية مؤقتة لا تصنع التأثير ولا الانتشار المطلوب. كل يوم يمر على الشاب دون هذه الأدوات المهنية المحورية يعد خسارة للإنتاجية على مستوى الوطن، فكيف ننظر لشهور وسنوات من التأخير والضعف الذي يرافق البرامج الصادقة التي يفترض أن تصنع الوعي وتخلق الفارق الثقافي المطلوب وتجدد الثقة في الفرص والقدرات؟! هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يتجاهل الفرد التخطيط لأهدافه الشخصية.
يروج للتخطيط المهني كأداة تستخدمها الشركات للحفاظ على موظفيها، تقلل بها معدل دوران الموظفين وتحافظ على معنوياتهم، ولكن قبل ذلك هي جزء من الأدوات الفردية التي يستطيع أي شخص استخدامها. يرتبط التخطيط المهني بأهداف الشخص الحياتية وواقع حياته عمليا، لذا يعتبر التخطيط المهني مؤثرا جيدا على عقلية الشخص وطريقة تجاوبه مع خياراته. إدراك الذات وحس الطموحات الذي يتعزز بعد التخطيط المهني يجنبنا عديدا من المطبات الذاتية التي نقع فيها دائما، تلك التي تصنع السخط والحزن والحيرة والقلق.
يقوم التخطيط المهني على ثلاث خطوات رئيسة: الاستكشاف والإعداد والتنفيذ. وتقسمه بعض المراجع إلى ماهو أكثر تفصيلا من ذلك ابتداء من تحديد الأهداف الحياتية ثم الوظيفية، وتحليل فرص التطوير المتاحة والبدء في تحضيرات التنفيذ من حصر وتركيز وتطوير للمهارات، وحتى استهداف الوظائف والوصول إليها. من الطبيعي أن تتغير المخططات التي نضعها إذا تغيرت الظروف، ولكن بوجود الخطة المهنية يظل هناك خط واضح يدعونا للالتزام، وهذا ما يجعلنا نشعر بالمرجعية ووضوح الرؤية ويدفعنا دوما للتحرك للأمام.
نشعر بابتسامة الحظ لنا بعد قرار موفق أو نتيجة جيدة نحققها أثناء عملنا، بعد الترقية مثلا. ولكن هذا قد يكون مصدرا للغرور الذي ينسينا أهمية الخطة المهنية. كل التحركات والنتائج الإيجابية والسلبية هي إما أهداف أو حقائق ضمن الخطة المهنية، إما مدخلات أو مخرجات. لا يقلل أي حدث يحصل في حياتنا الوظيفية من حتمية هذه الأداة المهمة، لذا من الضروري جدا أن يكون الجواب على سؤال: هل لديك خطة مهنية؟ نعم، بكل تأكيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي