Author

التقييم العقاري .. وتذبذب الأسعار

|
يعد التقييم العقاري من أهم المهن العقارية، لما له من تأثير كبير في الصناعتين العقارية والمالية، حيث يعد من أهم حلقات الربط بينهما، وهذه العلاقة الوثيقة بين التقييم العقاري وسوق المال تتضح من خلال ما يعرف بالدفعة الأولى للتمويل العقاري، وهي في الحقيقة تسمى معدل القرض إلى قيمة العقار Loan to Value ratio، فمثلا إذا كانت الدفعة الأولى 30 في المائة من قيمة العقار، فهذا يعني أن معدل القرض الذي سيغطيه الممول للعميل هو 70 في المائة من قيمة العقار، ولاحظ استخدامي لكلمة "قيمة" وليس "سعر" لأن لكل منهما دلالة مختلفة خاصة في المجالين العقاري والتمويلي، وهناك أنواع مختلفة للقيمة ولها استخداماتها لكن ما يتم اعتماده في التمويل العقاري هو القيمة السوقية، التي عرّفتها معايير التقييم الدولية في النسخة المصدرة عام 2013 بأنها "المبلغ التقديري الذي ينبغي على أساسه مبادلة الأصول أو الالتزامات في تاريخ التقييم، بين مشتر راغب وبائع راغب، في إطار معاملة على أساس محايد، بعد ترويج مناسب، حيث يتصرف كل طرف من الأطراف على أساس من المعرفة وفق مبدأ الحيطة والحذر دون قسر أو إجبار"، بينما يعرف السعر وفقا لمعايير التقييم الدولية بأنه "المبلغ المطلوب أو المعروض أو الذي يدفع مقابل أصل ما، وقد يختلف هذا السعر عن القيمة المحددة للأصل من قبل الغير بسبب الإمكانات المالية، أو الحوافز، أو المصالح الخاصة لمشتر أو بائع ما"، ومن هذين التعريفين يتبين الفرق بين القيمة السوقية التي تعتمد على رأي استشاري وفق منهجية واضحة، بينما السعر يعتمد على رغبة البائع أو المشتري في إتمام الصفقة، ولذلك فإن الممول يعتمد على القيمة السوقية في اتخاذ قرار التمويل العقاري، التي يجب أن تصدر بتقرير تقييم رسمي من قبل مقيِّم معتمد من الجهات المنظمة لهذه المهنة. عند حدوث تغيرات اقتصادية على المستوى الكلي، تعمد الجهات المنظمة إلى وضع ضوابط وإعادة هيكلة الإجراءات لضمان عدم حدوث أي خلل في هذه الفترة الشديدة الحساسية، ووفقا لتقرير أعده مركز الأبحاث في الكونجرس الأمريكي بعنوان "أنظمة التقييم العقاري"، التي تهدف إلى توضيح الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل الجهات الرسمية المختلفة لضمان حيادية التقييم وعدم تفاقم أزمة الرهن العقاري، نجد أن بعض الجهات في الولايات المتحدة تنبهت للفقاعة العقارية في المجال السكني في نهاية عام 2007، لتبدأ باتخاذ إجراءات أكثر تشددا على التمويل العقاري السكني وعززت من حيادية المقيم العقاري، الذي على أساس تقريره يتم اعتماد حجم القرض، فتم إنشاء لجنة منظمة لقواعد التقييم العقاري السكني في عام 2008 لتقوم بأول إجراء وهو إبلاغ جهات التمويل بوجوب فصل الإدارة المعنية بالموافقة على التمويل عن الإدارة التي تتعامل مع المقيمين، حتى لا يتم الضغط من قبل إدارة التمويل على المقيم لتحقيق العمولات أو الأهداف التمويلية التي يجب تحقيقها خلال مدة معينة، وكذلك تم إلزام الجهة الممولة باعتماد مقيم من قبلها، بينما يقوم طالب التمويل باختيار مقيم آخر وتسدد جهة التمويل أتعابه، وذلك ليتم ضمان عدم تحكم جهة التمويل في كل الإجراءات المتعلقة بالتقييم الذي يعد أساس قرار التمويل، كما قام مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي ــ وهو بمثابة البنك المركزي ــ بالتوصية أن تتم مراجعة أتعاب المقيم العقاري، حيث يؤدي المقيم واجبه على أكمل وجه دون الحاجة إلى اتخاذ أساليب ملتوية لتعزيز دخله، أو التكاسل في إنجاز التقارير وفقا للمعايير المهنية المقبولة، بحيث يضطر لإنجاز تقييمات كثيرة لتغطية مصروفاته وتحقيق أهدافه المادية، وبذلك ينصب الاهتمام على كمية التقييمات وإهمال كيفيتها وجودتها. الخلاصة، تطورت مهنة التقييم العقاري في السعودية خلال السنوات الأربع الماضية تطورا ملموسا، حيث صدر نظام المقيمين المعتمدين في تاريخ 9/7/1433هـ، لتنشأ بعد ذلك الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين "تقييم"، التي تعنى بتطوير مهن التقييم وإحداها التقييم العقاري، والمطلوب من هيئة المقيمين ضبط الممارسات في مجال التقييم ودعم الأعضاء معرفيا ومهنيا، وفي المقابل التنسيق مع الجهات الخاصة والحكومية لضبط إجراءاتها الداخلية بشكل يضمن مهنية المقيم وحياديته خاصة في ظل تذبذب أسعار العقار السكني، ولا ندعي المثالية، فبعض الممارسات غير المهنية في مجال التقييم من دخلاء عليها، أدت إلى الإضرار بالسوق العقارية وتضخمها، ففي بعض الأحيان تمارس الجهات الممولة ضغوطا على المقيمين لتعديل القيمة حتى تتوافق مع رغبات مالك العقار ليتم إقرار التمويل، مما يؤدي إلى أن يسأل المقيم مالك الوحدة العقارية عن السعر الذي يرغب فيه ويتم اعتماده دون التأكد من السوق ووضعها، ويعزى جزء من ذلك إلى ضعف المهنية وكذلك ضعف الأتعاب التي يتلقاها المقيِّم، فيقوم بإنجاز التقييم دون مراعاة المعايير إما جهلا لعدم التأهيل المهني والعلمي السليم، وإما بسوء نية رغبة منه في تعزيز عوائده وإنجاز أكبر عدد ممكن من التقييمات في وقت وجيز، وبذلك يتضرر طالب التمويل بشراء عقار لا يعكس وضع السوق بشكل سليم، وتغرق جهات التمويل العقاري في قروض لا تستند إلى قيم واقعية تستطيع من خلالها تسييل عقاراتها إذا ما حدث التعثر ــ لا قدر الله.
إنشرها