Author

قطاع التأمين .. أين الخلل؟

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
التأمين بصوره وأشكاله أحد أهم التطورات المالية في العصر الحديث، إذ يهدف إلى آلية لتوزيع المخاطر وتقليل أثر الكوارث في الأفراد من خلال تكوين صندوق بهدف العمل على تعويض الفرد عما أصابه من كارثة ليعود إلى الحالة السابقة فيما يتعلق بممتلكاته، أو تعويضه هو أو أفراد أسرته بما يخفف عليهم ما قد يعانونه مستقبلا في الجوانب المالية. وقد ظهرت أشكال متعددة للتأمين مثل التأمين على السيارات والممتلكات ومنها المنازل والمباني والسلع والتأمين الصحي وتأمين النقل ومنه البحري والجوي والبري ومازال هذا القطاع يتطور ويتوسع بصورة كبيرة في العالم، حتى أصبح ضرورة لا يمكن أن تنجز أي معاملة دون أن تتضمن شكلا من أشكال التأمين، وقد تطور نظام التأمين في المملكة بعد إعلان النظام الخاص بالتأمين التعاوني الذي يعتمد هيكلة التأمين على أساس تقاسم المخاطر بين المشتركين وهو الإطار المتوافق مع الشريعة وهو يختلف عن حالة التأمين التجاري الذي يكون تقاسم المخاطر فيه بين المشترك وشركة التأمين، والمتابع لهذا القطاع يجد أن المملكة وخلال فترة وجيزة تم الترخيص فيها لعشرات من شركات التأمين تتداول في السوق السعودي حاليا. في تقرير لصحيفة "الاقتصادية" بتاريخ 31 آذار (مارس) 2016 ذكر التقرير أنه: "بلغ متوسط إنفاق الفرد 1148 ريالا على التأمين في السعودية خلال العام الماضي 2015، مقارنة بـ 991 ريالا خلال عام 2014 مسجلا نسبة نمو قدرها 16 في المائة ما يعادل 158 ريالا.. ونما متوسط إنفاق الفرد خلال عام 2015 مقارنة بمتوسط إنفاق الفرد خلال عام 2009 حيث بلغ متوسط إنفاق الفرد نحو 548 ريالا ونسبة الزيادة بلغت 110 في المائة، أي بنحو 600 ريال لكل فرد. وبلغت قيمة إجمالي أقساط التأمين المكتتب بها خلال عام 2015 نحو 36.2 مليار ريال، مقارنة بـ 30.5 مليار ريال عام 2014. بنمو نسبته 18.8 في المائة، ما يعادل نحو 5.7 مليار ريال. ويبلغ عدد شركات التأمين وإعادة التأمين المرخصة في السوق السعودية 35 شركة. وتبلغ رؤوس أموال شركات التأمين وإعادة التأمين البالغ عددها 35 شركة نحو 12.9 مليار ريال، منها خمس شركات بلغت خسائرها المتراكمة من 50 في المائة إلى أقل من 75 في المائة من رأس المال، وبلغت الخسائر المتراكمة لشركتين من 75 في المائة إلى أقل من 100 في المائة". لا شك أن حجم الارتفاع الكبير في تكلفة التأمين على الأفراد أصبح عاليا جدا، مقارنة بالسنوات الماضية باعتبار أنه مهما كان حجم المخاطر، فإن النسب يفترض ألا تتجاوز 10 في المائة في حين أنها تتجاوز حاليا 100 في المائة، ورغم ذلك، فإن شركات التأمين ما زالت تعاني تراكم الخسائر رغم أن لها فترة ليست بالقصيرة في السوق في المملكة وهو السوق الذي يعتبر الأضخم على مستوى المنطقة، وينمو هذا السوق بوتيرة جيدة، خصوصا في قطاعه المالي، والوعي بأهمية التأمين أصبح يزداد في المجتمع، خصوصا في القطاع التجاري والصناعي، وما زال بالنسبة للأفراد يقتصر فيه الوعي لديهم على نوعين من التأمين وهما التأمين على المركبات والتأمين الصحي، وهنا تأتي أهمية العناية بالتأمين من جوانب متعددة منها: العناية بأمور تتعلق بمطابقة معاملات شركات التأمين مع الشريعة خصوصا أن النظام ينص على أن التأمين في الأساس هو تأمين تعاوني وهو الصورة المتوافقة مع الشريعة في التأمين، ولكن في إحدى مواد النظام يوجد موضوع توزيع الفائض الذي عده بعض الفقهاء المعاصرين لا يتسق مع طبيعة التأمين التعاوني الذي يفترض أن يعاد الفائض فيه إلى المشتركين بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو على الأقل إلى جهات تبرع باعتبار أن ما يدفعه المشترك هو تبرع وليس مقابل عقد معاوضة، وهنا ينبغي ألا يعود الفائض بنسبة كبيرة إلى المساهمين أو شركة التأمين. من الأمور المهمة التنوع في المنتجات والتسويق لها بصورة مناسبة مثل التأمين على الممتلكات وتشمل المنازل وهذا يبلغ الوعي فيه على مستوى الأفراد نسبة ضعيفة جدا رغم أن التأمين على المنازل والبنايات يعتبر أمرا لازما في كثير من دول العالم، إذ إنه لا يمكن الشخص من الحصول على تعويض فقط بسبب حدوث كارثة للمنزل، بل هو دلالة على جودة المنزل باعتبار أن شركات التأمين لا تقبل التأمين على مبنى في حالة غير مناسبة أو قد يتعرض قريبا إلى مشاكل إنشائية أو في الصيانة وباعتبار أن شركات التأمين يفترض أن يكون لديها فريق من المختصين في هذا الشأن، فإنه يمكن الاعتماد عليها في مثل هذا الأمر. من المهم العمل على توفير تكلفة مناسبة للأفراد، فالأسعار الحالية للتأمين أصبحت مكلفة جدا، خصوصا في التأمين على المركبات أو الصحي، وهما النوعان الأكثر انتشارا بين الأفراد ومع وجود إلزام من الجهات المختصة للأفراد بالتأمين على المركبات إلا أن البعض أصبح يتهرب من السداد بسبب التكلفة العالية. فالخلاصة أن قطاع التأمين رغم أهميته والفرص الجيدة المتاحة له في المملكة، إلا أنه يعاني ضعف أداء بعض الشركات واحتمال إفلاس عدد من الشركات، وهنا تأتي أهمية مراجعة مجموعة من القضايا، سواء على مستوى التشريعات أو على مستوى المنتجات والخدمات والأسعار، إضافة إلى نشر الوعي بأهمية التأمين في قضايا كثيرة لها علاقة مباشرة بالأفراد.
إنشرها