المشراق

أهل الجزيرة ورؤيتهم للسيارات قديما .. تخوف واستهجان

أهل الجزيرة ورؤيتهم للسيارات قديما .. تخوف واستهجان

أهل الجزيرة ورؤيتهم للسيارات قديما .. تخوف واستهجان

أهل الجزيرة ورؤيتهم للسيارات قديما .. تخوف واستهجان

أهل الجزيرة ورؤيتهم للسيارات قديما .. تخوف واستهجان

أصدرت وزارة المواصلات كتابين سجلت فيهما مراحل تطور المواصلات والاتصالات في السعودية، بعنوان "شبكة تطور الطرق في السعودية - مسيرة التطور"؛ وكتاب آخر مكون من مجلدين بعنوان "المواصلات والاتصالات في السعودية خلال 100 عام" أي 1319 - 1419هــ شارك في إعداده مجموعة من الباحثين في مختلف التخصصات، وبذل الباحثون جلّ جهدهم في هذه الدراسة التي تعد دراسة تاريخية توثيقية لمراحل تطور المواصلات والاتصالات وسجلت أبرز الإنجازات والمشاريع منذ بداية عهد الملك عبد العزيز، معتمدة على عدد من الوثائق والصور في توثيق وسائل النقل، ومشاريع تعبيد الطرق، وعرض أهداف الملك عبد العزيز في سعيه جاهدا لجلب السيارات وتطوير وسائل النقل وتعبيد الطرق لربط مدن السعودية بعضها ببعض، ليساهم ذلك في إنجاح الخطط التنموية، وإحلال الأمن، وتعزيز الترابط الاجتماعي، وتيسير جميع السبل لراحة حجاج بيت الله الحرام. كانت وزارة المالية هي المسؤولة عن تطوير وسائل النقل والمواصلات والاهتمام بالاتصالات، حتى تم تأسيس وزارة المواصلات عام 1372هـ فاهتمت بشكل مباشر بشؤون المواصلات كوسائل النقل وقسمت المهام الموكلة بالتعامل مع السيارات إلى عدة فروع بحسب ملكية السيارات الحكومية، كالسيارات الخصوصية، لمنح الأرقام والرخص، والسيارات الحكومية المملوكة للأمراء ورجال الحكومة، وما كان مخصص للنقليات، والسيارات الحكومية الداخلة في الشركة العربية للسيارات، والسيارات الأهلية المعدة لنقل الحجاج. #2# وأيضا من مهام وزارة المواصلات إنشاء شبكة طرق معبدة ورئيسة وطرق سريعة، وجلب الشركات الاستثمارية، وإبرام عقود لجلب أحدث وسائل المواصلات من السيارات والطائرات، فكان هناك عدة صعوبات واجهت الملك عبد العزيز في البداية ساهمت في عرقلة سير التطوير وكان من أبرزها كبر مساحة السعودية، وتنوع مناخها وتضاريسها، وقلة الأيدي العاملة، وقلة وعي أفراد المجتمع بأهمية تطور المواصلات من سيارات مما زاد رفض بعض فئات المجتمع للسيارات بدواعي الحلال والحرام. إلا أن هذا لم يمنع الملك عبد العزيز من الاهتمام بشأن تطوير وسائل النقل وتعبيد الطرق في سبيل توفير سبل الراحة للحجاج أولا والشعب ثانيا. تاريخ دخول السيارة إلى الجزيرة العربية "حائل ـــ الرياض ـــ الحجاز" حائل: تاريخ دخول السيارات إلى الجزيرة العربية ارتبط بأسماء التجار والوكلاء التجاريين العاملين باسم حكام الجزيرة العربية، ففي عهد سعود بن رشيد ذكر فهد المارك في كتابه المعنون "لمحات من تاريخ التطور الفكري في جزيرة العرب في القرن العشرين"، وأيضا ذكر ذلك أحمد العريفي في كتابه "مقامات حائلية"، أن أول سيارة دخلت إلى حائل كانت من نوع مرسيدس في عام 1333هـ جلبها وكيله السياسي والتجاري عند الدولة العثمانية رشيد بن ليلى كهدية من السلطان العثماني محمد رشاد الخامس. الرياض: كانت أول سيارة تدخل في عهد الملك عبد العزيز عن طريق وكيله التجاري والسياسي عبد الله القصيبي، وقد اختلفت الروايات في تاريخ دخول السيارات إلى الرياض، إذ ذكر في كتاب أعيان البحرين لبشار الحادي عند حديثه عن عبد الله القصيبي أنه جلب سيارة فورد إلى الملك عبد العزيز، بعد عودته من رحلة زيارة دول أوروبا عندما كان أحد مرافقي الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود في رحلته الأولى هناك، وأرخ بذلك دخول أول سيارة إلى الرياض عام 1340هــ. #3# بدأ الملك عبد العزيز بتفعيل استخدام السيارات في رحلاته الملكية عبر الجزيرة العربية وكانت أول رحلة يستخدم بها السيارة كانت من جدة إلى الرياض مرورا بالمدينة المنورة في 1345هــ/ 1926، وزادت بعد ذلك التاريخ أعداد السيارات المستخدمة في رحلاته، وتنوعت علاماتها التجارية العالمية فكانت سيارته مرسيدس، والآخرون من نوع كاديلاك، ودوج وشيفروليه، ثم طور الملك عبد العزيز تفعيل استخدام السيارة للغرض الحربي، وقد أسهب فاسيليف في كتابه المعنون بـ "تاريخ العربية السعودية" في حديثه عن استخدام السيارة لمحاصرة المنشقين من الإخوان، فقد أرسل خمس سيارات إلى الكويت طالبا منهم منع دخولهم إلى الأراضي الكويتية ليسهل عليه حصارهم، وسنة بعد أخرى زادت السيارات التي يمتلكها الملك عبد العزيز سواء بالشراء أو الإهداء وأغلبها محفوظ في القاعة التذكارية التي خصصت جزءا منها دارة الملك عبد العزيز لحفظها وأشهرها سيارة "رولز رويز" تلقاها هدية من رئيس وزراء بريطانيا وينستون تشرتشل. الحجاز: اختلفت الروايات في أول سيارة دخلت مكة المكرمة. إحدى الروايات تقول إن أول دخول للسيارة كان عام 1321هــ في عهد الشريف عون الرفيق، والرواية الأخرى أرخت أول دخول للسيارة بعام 1340هـ مهداة من تاجر هندي إلى الشريف حسين بن علي، ولم يكن يستخدمها لأن الطرق لم تكن معبدة، وهذا ما يؤكد ترجيح الرأي الأخير لو كانت السيارة موجودة منذ عهد الشريف عون الرفيق لشرع في تعبيد الطرق ومهد لتوفر السيارات بكثرة، فقد ذكر في صحيفة "الشرق الأوسط" يوم الأثنين الموافق 16 ذو الحجة 1426هــ بعنوان "عبد الله أبكر: في موضع مولد النبي مكتبة الحرمين ودار السيدة خديجة غابت ملامحه: حول كتابة صور من تراث مكة المكرمة في ق14هــ"، أن أول سيارة كانت في عهد الشريف حسين، وزاد استخدامها بعد دخول الملك عبد العزيز والذي ركز جهوده في تطوير المجتمع والبنية التحتية والطرق ودعم شركات السيارات لتسهيل حركة الحجاج، فمن يقرأ في الرحلات الملكية العديدة للملك عبد العزيز وأثرها الاستكشافي البارز في تطوير مجالات المواصلات في السعودية، فكان يخطط للتنمية عبر طرح الأفكار وعقد الاستشارات، وتذليل الصعوبات عن طريق تعبيد الطرق والاهتمام بالأمن، وتأمين المواصلات وتطوير وسائل النقل لخدمة حجاج بيت الله الحرام أولا. #4# عرضت جريدة أم القرى عددا من العقود لشركات السيارات، وكان أبرزها الشركة الشرقية للسيارات والتي تأسست بتاريخ 1353هــ وأبرم العقد وزير المالية عبد الله بن سليمان الحمدان مع جون سانت فيلبي البريطاني الذي يعد من أهم مستشاري الملك عبد العزيز والعاملين معه، والوكيل المفوض للشركة الشرقية المعروف بعبد الله فيلبي، وعقد شركة سيارات نجد وكان لها أثرها في تطوير وسائل النقل للحجاج فتأسست عام 1356هـــ والمسؤول عنها الشيخ محمد الطويل. ردود فعل المجتمع على الأغلب عقولهم لم تستوعب الحديث الجديد، فقد طرح هاشم الرفاعي في كتابه "من ذكرياتي" تساؤلات الناس عند مشاهدتهم لأول سيارة دخلت الرياض هل هذا من صنع الشيطان؟ واستهجان الناس من مجرد رؤيتهم لها ـــ باعتبارها شكلا غريبا عليهم لم تألفه أعينهم، ويذكر أن أحد مالكي السيارات بالقصيم طلب من الموجودين أن يلمسوا السيارة ولم يتجرأ أحد على فعل ذلك خوفا منها، فضرب البوري وزاد فزعهم وكأنه فعلا من عمل الشيطان! فردود فعلهم لم تكنّ أقل من تعاملهم لأول مرة عند رؤية الدراجة. وإلى جانب عدم تقبل الأغلبية للسيارات، كانت هناك نظرة المجتمع السلبية لقائد السيارة فالسائق دوما تدور حوله الشبهات كالتقصير في أمور الدين كالصلاة، وشرب السجائر، وقد وقف بعض رجال الدين موقف المؤيد تارة وغير المتقبل للجديد، ويقول محمد العبودي في هذا الشأن راويا لقصة الشيخ عبد الرحمن البليهد: "وفاته في حادث سيارة بين بريدة والرس لأنه ذاهب ليكون مدير المعهد العلمي في الرس، وكان معه ابن عمه (محمد) بن سعود البليهد، الشيخ عبد الله سليمان البليهد رجل سابق لزمانه، راح للبدائع بسيارة يسوقها ابنه غرب القصيم، وأمه من البدائع (يذكر أن عبد الله البليهد كانت زوجته من البدائع) وراح بسيارة للبدائع، لما وقف عبد الرحمن جد الأخ (يقصد المتحدث معه في الرواية) ذا انزلق وما ينشاف رأسه، وده يمزح مع الأطفال والتف الأطفال والناس حوله.. يوم شافوا السيارة وضرب بوري وانفضوا وكأنهم هربوا من حريق، لكن أهل البدائع قاموا بالشيخ وقال له واحد يا شيخ من أول عندنا هالحميرات.. وأنت يوم تجي بالسيارة كان جيت على حمار مثلنا، قال: إن طال بك الزمن لا بد أن تشوف السيارات أكثر من الحمير الآن"، أعطت الرواية صورة إيجابية للشيوخ والعلماء والقضاة حول تقبلهم لكل جديد، وكمثال الشيخ عبد الله البليهد الذي امتلك سيارة يجوب بها مناطق المملكة، متحملا نقد المجتمع النجدي، وأكسبه ذلك معرفة بالطرق، وردا على ما قد ذكر عن ابن بليهد في كتاب مختارات من الرحلات الحجازية إلى مكة والمدينة نقلا عن رحلة محي الدين رضا "رحلتي إلى الحجاز 1353هــ": "لو كان بيدي سلطة لمنعت استخدام السيارات، لأن فريضة الحج لم توضع لتؤدى بالسيارة"، فهو لم يكن رافضا للسيارة لأنه امتلكها، بل جاء رفضه مبررا لراحة الحجاج في عدم إثارة التراب في وجوههم ومضايقتهم. ومن جانب الملك عبد العزيز فقد أحسن التعامل مع مجتمعه لإقناعهم تدريجيا بأهمية تطور المواصلات وتقبل السيارة، إذ أنه كان يأخذ العلماء معه في جولة بالسيارة لمعرفته بقوة تأثيرهم في المجتمع، وربط تفعيل دور السيارات بالدين لتسهيل نقل الحجاج من وإلى الحجاز، واستخدمها في رحلاته وتنقلاته، بجانب الاهتمام بشأن كل ما يتعلق بالنقل، من تخصيص هيئة هندسية خاصة لإصلاح ما قد يطرأ على السيارات من عطل، ووضع عدد من براميل البنزين للتعبئة عبر محطات التوقف في الطريق. وبالطبع لاكتشاف النفط دور بارز في تطور كل ما يتعلق بالمواصلات والاتصالات وقفزت المملكة قفزات هائلة في هذا المجال، وموضوع تاريخ السيارات موضوع حيوي يحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق