مسافة الحلم في واقع الطاقة الشمسية
على الرغم من تطور قطاع الطاقة الشمسية على الساحة العالمية في غضون السنوات الماضية، إلا أن هذا القطاع لا يزال دون المستوى المأمول منه، ولا سيما مع بطء حراكه. ولا شك أن العالم يتمنى أن تكون الطاقة الشمسية المصدر الأول للطاقة بشكل عام، ولا سيما الكهربائية منها، لأنها في النهاية تصب في المصلحة العامة من عدة جوانب، من بينها بالطبع البيئة، على اعتبار أنها غير ملوثة. غير أن الأمور بهذا الخصوص لا تتحقق بالتمنيات. فلا يزال هذا القطاع متواضع المستوى، إذا ما قيس بطول الفترة التي ظهر فيها على الساحة. كما أنه لا يزال من ناحية التكاليف أعلى من نظيره قطاع النفط الأحفوري، الذي لا يزال يعد الأرخص على الإطلاق بين كل مصادر الطاقة المطروحة، بما في ذلك النووية وغيرها.
ولعل هذا ما يفسر توقعات المختصين والجهات المعنية بأمر الطاقة الشمسية، أن هذه الأخيرة لن تصل حصتها في مجموع الطاقة العالمي إلى 25 في المائة قبل عام 2050. ولا شك في أن المسافة لبلوغ هذا المستوى أيضا طويلة فيما لو نظرنا إلى المدة التي طرحت فيها الطاقة الشمسية. ومع ذلك، فقد شهدت تكاليف الألواح الشمسية المستخدمة في جلب وتخزين هذه الطاقة من ستة دولارات أمريكية لكل واط، إلى 0.60 دولار لكل واط/ ساعة. وفي الإجمال تراوح تكلفة توليد الطاقة الكهربائية من الشمس بين 0.12 و0.15 دولار لكل كيلو واط/ ساعة. وهذا يعني انخفاض أسعار التكلفة "بحسب المختصين" بواقع أربعة أضعاف. وبالنظر إلى "الثورة" التي صاحبت انطلاق الطاقة الشمسية، يجب أن يكون هذا الانخفاض أكبر.
وفي كل الأحوال، الأمر ليس مرتبطا فقط بتكاليف الإنتاج، بل أيضا بتأسيس ثقافة حول أهمية الطاقة الشمسية ومنافعها، وعوائدها المالية والبيئية الجيدة. وهذه الثقافة ليست متوافرة بعد في غالبية بلدان العالم. وألمانيا التي تعد أهم دولة في هذا المجال، حققت تقدما كبيرا، على صعيد نشر الثقافة من خلال سلسلة من القوانين والإجراءات الترغيبية. وهو أمر ضروري جدا في مجال طاقة جديدة "بل وغريبة حتى اليوم عن بعض المجتمعات". لقد اتبعت السلطات الألمانية أسلوب تحويل منتج الكهرباء الفردي عن طريق الطاقة الشمسية، من مستهلك لها فقط إلى مستهلك وبائع للفائض الكهربائي لديه للحكومة. بمعنى، أن الذي ينتج الكهرباء من الشمس في منزله، يمكن أيضا أن يصبح مصدرا للكهرباء. ما يشجع حتى توفير الكهرباء الناتج عن الشمس.
لكن ألمانيا وإن كانت مثالا يحتذى في هذا المجال، إلا أنها لا تمثل حالة عالمية عامة. وهنا تظهر الفجوات الخاصة بنشر هذه الثقافة. لم تعد الطاقة الشمسية تمثل حلما بالنسبة إلى من يرغب فيها، لقد أصبحت أمرا واقعا بصرف النظر عن تفاوت انتشارها بين بلد وآخر. بعض التقديرات الألمانية على سبيل المثال أكدت سابقا أن السعودية يمكنها أن تكون المصدر الأول للطاقة الشمسية في غضون عشر سنوات، حيث تتفوق على ألمانيا نفسها، إذا ما أولت اهتماما يناسب قدراتها في هذا المجال. فحتى في أوروبا التي تعد متقدمة في هذا المجال، هناك تفاوت كبير بين بلد وآخر. ولذلك نبقى أمام قطاع متجدد وليس جديدا، لا يزال في مراحله الأولى.
ربما تصل حصة الطاقة الشمسية في مجموع الطاقة العالمي إلى 25 في المائة في غضون 40 عاما تقريبا، وبذلك تكون قد وصلت إلى هذا المستوى بعد أكثر من 80 عاما من انطلاقها، في حين أن حصة النفط الأحفوري لم تتأثر كثيرا من إجمالي الطاقة العالمي، حيث يبقى هذا النفط حاضرا بقوته على الساحة لفترات طويلة وطويلة جدا.